الاثنين، 16 فبراير 2015

"قناص أميركي": كلينت ايستوود يناقض نفسه!


حسين عبدالحسين

يلتزم فيلم "قناص أميركي" السطحية نفسها في أفلام هوليوود التي تصور العرب. الصبي العراقي يلبس سروالا تحت الدشداشة على الطريقة الأفغانية، بينما الذكور العراقيين يلبسون اما الدشداشة او السروال. المتحدثون العراقيون في الفيلم يتحدثون إما بعربية بليدة ومرتبكة ومتقطعة، او بلهجات غير عراقية.

وكأفلام هوليوود الأخرى، لا يرى القيمون على هذه السينما، فوارق في الطبيعة العربية او في العمارة، فطبيعة الهضاب في العاصمة الأردنية عمّان، كانت واضحة في فيلم "هيرتلوكر"، الحائز أوسكارات، والذي يفترض ان احداثه كانت تجري في العراق حيث لا هضاب. اما في "قناص أميركي"، تفسد العمارة غير العراقية والزخرفة المغربية على بعض الجدران، المشهد العراقي المطلوب تقديمه. 

فيلم "قناص أميركي"، للمخرج كلينت ايستوود، تعرض لانتقادات واسعة في الولايات المتحدة وصلت حد اتهامه بالعنصرية و"معاداة المسلمين". لكن الفيلم، الذي يلعب دور البطولة فيه الممثل برادلي كوبر، ويصور حياة قناص البحرية الأميركية كريس كايل، يظهر فهماً حول العراق والعراقيين يتميز عما سبقه من اعمال. فعلى الرغم من البطولة الأسطورية التي أراد ايستوود سبغها على كايل، الا ان المشهد الأخير للبطل المذكور في العراق يصوره وهو ينفذ بروحه من هناك، اذ يفر راكضاً بعدما حاصر مقاتلون عراقيون البيت الذي كان يتمركز فيه كايل وصحبه. وفي اثناء ركضه، أسقط كايل الانجيل الذي كان يحمله، وأسقط العلم الأميركي، وترك بعض أسلحته وراءه، وفي المشهد رمزية أن البطولة الأميركية المطلوب تصويرها انتهت بخروج أميركي مذل.

كذلك يحرص ايستوود، وهو من أبرز اليمينيين المحافظين في الحزب الجمهوري، على عدم شمل العراقيين جميعهم بصورة الإرهابيين، اذ يقدم المقاتلين على انهم في غالبهم من غير العراقيين، ويقدم السكان بمظهر المتعاونين مع القوات الأميركية، على الرغم من الفظاعات التي يلقونها من المقاتلين بسبب تعاونهم هذا.

على الرغم من ذلك، تعرض الفيلم لانتقادات واسعة، خصوصا من اليساريين الليبراليين الاميركيين والعرب الاميركيين، يبدو ان سببها استمرار الانقسام حول حرب العراق نفسها، وحول سببها وحول محاولة كتابة تاريخها.

والفيلم نفسه هو خليط لشعارات اليمين الأميركي. إذ يُفترض أن كايل بهجمات "القاعدة" ضد سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام، ولاحقاً بهجمات 11 أيلول، وهو ما اعتبره النقاد من الليبراليين ربطاً غير مقبول للهجمات بحرب العراق. وفي الحوار، يردد كايل بعض الشعارات اليمينية، مثل قوله انه يقاتل من اجل "الله والوطن والعائلة". وغالبا ما يتحدث كايل عن العراقيين بوصفهم "متوحشين".

في الوقت نفسه، يحاول ايستوود تصوير كايل على انه مسيحي مؤمن، يحمل معه الانجيل في المعارك، وله وشم على ذراعه هو صليب أحمر على طراز "الصليبيين". ويجهد الفيلم لإسباغ صفة البساطة على البطل الأميركي، ويصوره على انه رجل عائلة مخلص لزوجه ومحب لها ولأولادهما، وفاعل خير، خصوصاً في محاولاته مساعدة العسكريين السابقين ممن تعرضوا لإصابات بالغة ومزمنة.

لكن محاولات ايستوود جاءت مرتبكة ومتعثرة، ففي تصويره كايل على انه شخصية عنفية على طراز "الكاوبوي"، ناقض ايستوود فكرة الوطنية التي يفترض انها دفعت كايل للالتحاق بالبحرية. فكايل شخصية عنفية لأن والده كان يهدده "بالحزام"، ويحثه على "تصفية" أي ولد في المدرسة يعتدي عليه أو على أخيه. وفي مشهد لاحق، نرى كايل يعتدي على أخيه بسبب تباين في الرأي بينهما. ويصور الفيلم ان كايل، الذي كان يعمل مروض احصنة "روديو" محترف، سقط عن حصانه مرة وأصيب بشكل منعه من الاستمرار بعمله، ما دفعه الى الحياة العسكرية.

هكذا، بسبب اصابته وعنفه – لا بالضرورة بسبب وطنيته وحبه لأميركا – التحق كايل بالبحرية وأصبح من قناصيها الذين قتلوا أكبر عدد من "الآخرين"، الذين يقدرهم الفيلم بأكثر من 160 شخصا. حتى في محاولة تلبيس كايل هذه البطولة، تناقض لمبدأ إرساله الى الجبهة لحماية رفاق السلاح، بقتله أي خطر يراه القناص كايل من بعيد، فالولايات المتحدة كان يمكنها إيقاع مئات الضحايا العراقيين بغارة واحدة، لكن سبب اللجوء الى القناصين – اثناء مطاردة الوحدات الأميركية لمقاتلي القاعدة – كان بهدف تقليص عدد الضحايا من غير المقاتلين.

ويختم ايستوود تناقضاته بأكبرها، اذ هو يصر على تصوير كايل محباً للسلاح الفردي. واقتناء السلاح الفردي موضوع يقسم الاميركيين الى يمينيين مؤيدين ويساريين معارضين. ويصور الفيلم كايل وهو يتشاقى وزوجته بتهديدها بمسدس. بعد ذلك، ينتهي الفيلم بسطور تروي لنا انه بينما كان كايل يحاول ان يساعد عسكري سابق، قتله الأخير. لا يقدم ايستوود تفاصيل حول مقتل كايل، بل يعرض صوراً حقيقية من مشهد جنازته التي حضرتها جماهير غفيرة.

على ان المفارقة تكمن في أن هذا البطل الأميركي، الذي كان يؤيد مبدأ اقتناء الأميركيين للسلاح الفردي من دون رخص حكومية، خسر حياته عندما أطلق النار عليه، وعلى صديقه، عسكري سابق يعاني اضطرابات عقلية، فيما كان الثلاثة يلهون في مركز للرماية الترفيهية.

بعد الفيلم، أطلت حفنة من الاميركيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتقول انها شاهدته وشعرت برغبة في قتل مسلمين وعرب. وتلقف بعض الصحافيين العرب الاميركيين هذه الرسائل وأعادوا نشرها للدلالة على عنصرية الفيلم. لكن البطل كايل كان قد خرج من العراق سالماً معافى، وهو لم يمت بسبب الحرب في بلاد العرب والمسلمين، بل بسبب انفلات السلاح الفردي في الولايات المتحدة، ما يعني ان العبرة من الفيلم هو ضرورة تنظيم السلاح، وهو أمر يعارضه ايستوود والجمهوريون واليمين ولوبي صناعة السلاح من خلفهم.

فيلم "قناص أميركي" يظهر براعة هوليوود في الإنتاج وسطحيتها في المضمون. اما الخلاف الذي تسبب به الفيلم المليء بالتناقضات، فهو خلاف لسبب ما "في نفس يعقوب"، ولا يمت بكثير صِلة، الى سطحية الفيلم ومحاولته تقديم اليمين المسيحي الأميركي بصورة وطنية وبطولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق