الأربعاء، 18 فبراير 2015

لندع السنّة والشيعة يقتلون بعضهم البعض

حسين عبدالحسين

لا شك في أن أشهر التقارير عن النقاش الأميركي حول التدخل في سوريا، ورد في العام 2012، وجاء فيه أنه أثناء اجتماع "فريق الأمن القومي" برئاسة باراك أوباما، احتدم النقاش كثيراً بين وزيري الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هيغل؛ فالأول كان يرى أنه لا بد من تدخل عسكري أميركي يجبر الأسد على الخروج من الحكم ويجبر نظامه على الدخول في شراكة مع الثوار، فيما عارض هيغل ذلك. عند ذاك تدخل رئيس أركان الجيش الجنرال مارتن ديمبسي لمصلحة هيغل، وردد قائلاً إن المصلحة الأميركية تقتضي عدم التدخل في القتال الدائر في سوريا، بين عدوين لواشنطن: تنظيم "القاعدة" السني و"حزب الله" الشيعي.

منذ ذلك التاريخ، كثرٌ كتبوا، في أميركا وفي إسرائيل، عن هذه المصلحة المفترضة، والتي تقضي بالتفرج على السنة والشيعة يقتلون بعضهم. واستعاد البعض دعابات أميركية من زمن الحرب العراقية الإيرانية، كقول وزير الخارجية الأسبق هنري كيسينجر، إنه كان يتمنى للاثنين؛ العراق وإيران، "حظاً سعيداً" في الحرب الدموية المستمرة بينهما.

لكن ديمبسي نفسه هو الذي قلب رأي أوباما لمصلحة التدخل ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ فعلى إثر انهيار القوات النظامية العراقية في الموصل في حزيران/يونيو 2014، وبدء تهديد داعش لأربيل، تسلل ديمبسي إلى الليموزين الرئاسية التي كانت تهم بالإقلاع من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، بعد مشاركة أوباما في قمة جمعته مع رؤساء افريقيا. وفي المسافة القصيرة بين المبنيين، أقنع ديمبسي أوباما بخطورة الموقف، وضرورة وقف زحف داعش نحو الأكراد.

وبالفعل، بدأت أميركا غاراتها التي أوقفت تمدد داعش، وأتبعت ذلك ببناء تحالف عسكري جوي قال أوباما، الأسبوع الماضي، إنه قام بأكثر من ألفي غارة جوية، على الرغم من أن غالبية المراقبين لا يعتقدون أن عدد ضحايا مقاتلي داعش من الغارات قد وصل إلى ألف قتيل.

هكذا، كان التدخل الأميركي ضد داعش لضبط الحرب بين السنّة والشيعة، وحصر مسرحها في سوريا وبعض المناطق العراقية فقط. ومع مرور الأشهر، صارت واشنطن، التي تحاور طهران وتُغير على داعش، تبدو وكأنها منحازة للشيعة ضد السنّة. ومع الوهن الذي أصاب قوات الرئيس السوري بشار الأسد، الشيعي مؤقتاً، والذي يحاور إسرائيل في أوقات أخرى، يبدو أن القلق أصاب بعض من اعتقدوا أن في الحرب السنية-الشيعية فائد أميركية. الغارة الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل قياديين في حزب الله وجنرالاً إيرانياً أظهرت أن جبهة الجنوب السورية، انتقلت بالكامل إلى يد إيران العسكرية.

وإن انتقلت حدود الجولان من يد الأسد إلى اليد الإيرانية، حسبما بث الإعلام الموالي صوراً لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيرايني الجنرال قاسم سليماني، قيل إنها التقطت له في جنوب سوريا، ما يعني أنه يتوجب على إسرائيل توقع أراض جديدة بأيدي ميليشيات حليفة لإيران.

صحيح أنه منذ تسلمت "جبهة النصرة" معبر القنيطرة في آب/أغسطس 2014، أبدت التزاماً شبيهاً بالتزام الأسد قبلها و"حزب الله" منذ العام 2006، بالهدوء على الحدود مع إسرائيل، إلا أن مزيداً من التماس مع الإيرانيين لا يعجب الإسرائيليين كثيراً.

وفي منطقة الشرق الأوسط مؤشرات أخرى على انتصارات شيعية عسكرية، فاليمن الذي سقط بيد حلفاء إيران، يقلق إسرائيل وبعض الأميركيين؛ إذ أنه سبق للقوات الحكومية اليمنية أن ضبطت عدداً من شحنات السلاح الإيرانية التي وزعتها طهران على حلفائها في عموم المنطقة، ومنهم حماس في غزة. ويأتي تفوق الشيعة على السنّة إقليمياً في وقت يبدو أوباما متجهاً نحو تسوية مع الإيرانيين بأي ثمن. أما أبلغ صورة للموقف الأميركي الجديد، فهي الرسائل المتبادلة بين أوباما ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، في وقت أوصد الرئيس الأميركي أبواب البيت الأبيض أمام رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي سيزور واشنطن في 3 أذار/مارس، ليقلي خطاباً أمام الكونغرس.

هكذا، بدأ بعض القلق الأميركي من إمكانية انتصار الميليشيات الشيعية، وفي سلسلة من جلسات الاستماع في الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية المعارضة لأوباما، والمقربة من إسرائيل، راح الأعضاء وضيوفهم من الخبراء يتحدثون بالتفصيل الممل عن الخطر الداهم للميليشيات الشيعية الموالية لإيران، خصوصاً في حال انتصرت هذه على خصومها من السنة، وخصوصاً في ضوء انفتاح أوباما على إيران.

وراح أعضاء بارزون في الكونغرس، مثل العضو الجمهوري من أصل لبناني داريل عيسى، يسهب في الحديث حول جدوى حرب أميركا على داعش، والتي تبدو بأنها لا تقضي على داعش، وأن كل ما تفعله هو ترجيح كفة ميليشيات أخرى، هي أيضاً عدوة للولايات المتحدة.

طبعاً الأصوات التي دعت منذ الأيام الأولى للثورة السورية في العام 2011 إلى تدخل أميركي حاسم لوقف النشاط العسكري للأسد، حتى لا يستثير عنفاً من الجهة المقابلة، عادت اليوم لتقدم الرؤية الموضوعية للأمر؛ فكلما طالت الحرب بين السنة والشيعة، كلما تعود الطرفان على الحرب، وكلما جندوا المزيد من الشباب ودربوهم، وكلما انشأوا شبكات مالية لتمويلهم.

يوماً ما، إذا انتهت الحرب في سوريا والعراق بفوز طرف على آخر أو بتسوية ما، أين سيذهب كل هؤلاء الشباب المقاتلين من الطرفين؟ لا بد أن بعضهم لن يلقي السلاح، وقد يوجه عنفه ضد أميركا والغرب، وهو ما حدث بعد حرب أفغانستان ضد السوفيات، وهو الدرس الذي لم تفهمه أميركا بالكامل، بل فهمت أن مصلحتها هي في عدم التسليح، بدلاً من أن تكون مصلحتها في وقف الحرب. - See more at: http://www.almodon.com/arabworld/f2c8271f-c30c-46a9-ae9a-c2d897a1f72a#sthash.LLX9HcKF.7FdEJ2j7.dpuf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق