الجمعة، 19 يونيو 2015

واشنطن تتراجع عن اشتراط كشف «البعد العسكري» لبرنامج إيران النووي

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

فجّر وزير الخارجية جون كيري مفاجأة بقوله ان بلاده ليست مصرة على كشف إيران عن «البعد العسكري المحتمل» لبرنامجها النووي، معتبرا ان العالم يعرف كل شيء عن تجارب طهران العسكرية النووية الماضية، وأن ما تتطلع اليه المجموعة الدولية هو النظر نحو المستقبل.

ولفت الحضور المفاجئ لكيري، الذي بالكاد شفي من إصابة تعرض لها في ساقه اثناء ركوبه دراجة هوائية في باريس، الى غرفة الصحافيين في مبنى وزارة الخارجية للقول ان واشنطن لم تغيّر موقفها، وأنها لم تكن مصرة يوما على ان تقوم إيران بالكشف عن الشق العسكري لبرنامجها النووي، وهذه احدى نقطتين لطالما اعتبرها كثيرون عالقة وتعوق التوصل لاتفاقية نووية نهائية مع طهران.

وقال كيري، ردا على سؤال لمراسل «نيويورك تايمز» مايكل غوردن حول التراجع الأميركي: «حول البعد العسكري المحتمل، بصراحة، يتم تحويره في بعض النقاشات، لم نكن مصرين يوما على قيام إيران بتقديم كشف لما قاموا به في وقت او في آخر».

وأضاف كيري: «نحن نعلم ما الذي فعله الإيرانيون، وليست لدينا شكوك، ولدينا معلومات مؤكدة حول النشاطات العسكرية (النووية) الأكيدة التي كانوا منخرطين بها».

وبعد قول كيري ان واشنطن متأكدة ان إيران قامت في الماضي بتجارب عسكرية نووية، وهو موضوع لا يعنيها اليوم، تابع القول: «ما يهمنا هو المضي قدما، فمن الأساسي لنا ان نعرف انه مستقبلا، توقفت هذه النشاطات، وانه يمكننا التأكد من ذلك بطريقة شرعية، وهذا هو أحد شروطنا لما يجب الاتفاق عليه حتى تكون هناك اتفاقية شرعية».

وختم كيري انه «حتى تكون لدينا اتفاقية تؤدي الى رفع كبير للعقوبات، نريد هذه الأجوبة».

وفور شيوع الخبر، سارع المعنيون، خصوصا من المعارضين الجمهوريين في الكونغرس، الى القول انه على عكس ما يقول كيري، فان موقف الادارة حول «البعد العسكري المحتمل» هو «موقف جديد تماما».

وقالت مصادر الكونغرس انه لم يسبق للإدارة يوما ان صرّحت بأن لديها «معلومات مؤكدة» حول النشاطات العسكرية النووية الماضية لإيران، وان الإدارة لطالما وعدت الكونغرس ان لا اتفاقية من دون تقديم طهران لكشف حساب عن ماضيها العسكري النووي، لأنه من دون ذلك، من غير الممكن للمفتشين الدوليين إحصاء حجم البرنامج النووي الإيراني لمراقبته والتأكد من انه مجمّد.

وكانت وكالة «اسوشتيتد برس» أول من أذاع خبر تراجع الولايات المتحدة عن شرط كشف إيران لماضيها العسكري النووي، ما أدى الى شجار علني، الأسبوع الماضي، بين مراسل الوكالة والناطقين باسم الخارجية قالوا فيه ان اميركا لم تشترط يوما على إيران الكشف عن نشاطاتها الماضية، بل طلبوا فقط السماح للمفتشين الدوليين بدخول المواقع التي يطلبون الدخول اليها.

كذلك، رصد الخبراء انقلابا في الموقف الأميركي لناحية ان المجموعة الدولية لطالما صرحت بأنها لا تعرف ماهية النشاط النووي الإيراني في الماضي.

وكان رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية كريستانو أمانو قال في مارس الماضي: «ما لا نعرفه هو ان كانت لديهم نشاطات لم يعلنوا عنها، ولا نعرف ما الذي قاموا به في الماضي». ومما قاله أمانو: «اذا، نحن نعرف جزءا من نشاطات (ايران النووية)، لكننا لا نعرف كل نشاطات ايران النووية، ولهذا لا يمكننا القول ان كل النشاطات (النووية) في ايران هي لأهداف سلمية». وكرر أمانو تصريحه هذا قبل أسبوعين بالقول ان وكالته «ليست في موقع يسمح لها تقديم ضمانات حول نوعية المواد والنشاطات النووية غير المعلن عنها في إيران»، ما يعني انه لا يمكنها تأكيد ان برنامج إيران النووي هو برنامج سلمي.

كما ذكّر متابعون بتصريحات أميركية سابقة تناقض ما أدلى به كيري، اول من أمس، فالوزير الأميركي كان أدلى بمقابلة لشبكة «بي بي اس» شبه الرسمية أخيرا قال فيها انه «في ما خص البعد العسكري المحتمل، على الإيرانيين ان يكشفوا عنه»، وان «على هذا الأمر ان يحصل»، وهو تصريح يتماهى مع ما سبق ان قالته مساعدته ويندي شيرمان في جلسة استماع امام «لجنة المصارف في مجلس الشيوخ» في ديسمبر 2013 من ان اتفاقية جنيف تطلب الكشف عن نشاطات إيران النووية الماضية. بعد ذلك بأشهر، كررت شيرمان موقفها امام «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ» بقولها انه «في البعد العسكري المحتمل، على إيران ان تكشف اوراقها».

لكن انقلاب الموقف الأميركي المتسارع، منذ أسبوع، يشي، حسب الخبراء الاميركيين، بأن مجموعة دول خمس زائد واحد وإيران توصلتا الى نص اتفاقية نهائية سيتم الإعلان عنه في الأسبوعين المقبلين.

وكان مسؤولون دوليون أعلنوا الشهر الماضي ان المجموعة الدولية توصلت لآلية تنص على عودة تلقائية للعقوبات الدولية على إيران في حال عدم التزامها ببنود الاتفاقية النهائية، وهو أمر وعد به الرئيس باراك أوباما وعارضته موسكو علنا، لكن يبدو انها تراجعت عن معارضتها في وقت لاحق.

ختاما، تبقى القضية الوحيدة العالقة هي السماح للمفتشين الدوليين بلقاء العلماء النوويين الإيرانيين، وهو أمر رفضه مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي علنا، ولكن وزير خارجيته جواد ظريف قال في الجلسات المغلقة ان إيران وافقت على هذه اللقاءات في الاتفاقية الموقتة، وان هذه اللقاءات كانت مسموحة حتى في زمن الرئيس الإيراني السابق، والمحسوب على المتشددين، محمود أحمدي نجاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق