الثلاثاء، 16 يونيو 2015

لا آثار عملية لزيارة رئيس البرلمان العراقي إلى واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يترك رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري باباً في العاصمة الاميركية إلا وطرقه، ولا وسيلة إعلامية - عربية كانت أم أميركية - إلا ومنحها مقابلة خاصة، ولا دعوة إلا ولبّاها، فحاضر في «معهد الولايات المتحدة للسلام الدولي»، وحضر مناسبات للجالية العراقية ودعوات خاصة.

وأنهى الجبوري أسبوعه بفطور في دارة نائب الرئيس جو بايدن، ثم أتْبعَه بلقاء معه في البيت الأبيض، تم توقيته لمشاركة الرئيس باراك أوباما، بشكل غير مقرر، احتراماً لبروتوكول التعامل والندّية بين الحكومات.

لكن على الرغم من كل ماقاله وفعله الجبوري، صاحب اللهجة الهادئة والأفكار الرصينة، لم تترك زيارته انطباعاً لدى الخبراء الأميركيين بأنها ستساهم في تغيير سياسة أوباما تجاه العراق، بل إن أوباما أعلن - في نفس الأسبوع الذي التقى فيه الجبوري - الاستمرار في مراهنته على السياسة الحالية، والقاضية بشن ضربات جوية ضد ما تيسّر من أهداف تعود لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وإرسال المزيد من الخبراء العسكريين الأميركيين للمشاركة في التدريب وإسداء النصح للقوات العراقية النظامية، التي يبدو انها تسير من انهيار الى آخر سنوياً.

الجبوري حاول جاهداً إقناع الأميركيين بضرورة إعادة احياء «قوات الصحوات»، وهي مجموعات مقاتلة غير نظاميّة شكّلها الجيش الاميركي اثناء وجوده في العراق من مقاتلي العشائر السنّية. ولفت الى ان السنّة انضموا الى ما كان يعرف بـ «العملية السياسية» لمرحلة ما بعد صدام حسين، وانهم ساهموا في استئصال تنظيم «القاعدة في العراق» من مناطقهم، لكن بعد الانسحاب الاميركي، لاحقت حكومة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي مقاتلي الصحوات واتهمتهم بحمل السلاح بصورة غير شرعية.

وكرر الجبوري، في إطلالاته، أنه في غياب الضمانات للسنّة بأنه لن تتم ملاحقتهم في حال انضموا للقوة المقاتلة ضد «داعش»، فهم سيبقون خارج المعركة، فيما مشاركتهم ضرورية لأن القتال يجري في مناطقهم وبلداتهم وبين اهاليهم.

وحاول الجبوري الإيحاء بأن قانون تشكيل «حرس وطني عراقي» - وهو يسمح بإقامة وحدات غير نظاميّة مقاتلة بإمرة الحكومات المحلية - يمكن ان تتم المصادقة عليه الشهر المقبل، في البرلمان العراقي. لكنه لم يوضّح كيف يمكن للكتلتيْن السنّية والكردية ان تهزما الغالبية الشيعية المعارضة للقانون في «مجلس النواب».

كذلك، بدأ حديث الجبوري عن القوانين العراقية المزمع إقرارها لإنشاء «حرس وطني» غير متناسق مع الاحداث الجارية على الارض، حسب اميركيين تابعوا زيارته.

ويقول هؤلاء الاميركيون من خبراء ومسؤولين حاليين وسابقين، إنه «يمكن لأي فرد او مجموعة شيعية عراقية ان تعلن نفسها ميليشيا مقاتلة وتذهب الى وزارة الداخلية»، وهي بعهدة الوزير محمد الغبّان عضو ميليشيا «منظمة بدر» القريبة من ايران، و«تحصل على تدريب وتمويل وتسليح ورواتب». أما السنّة، مثل الجبوري، «فهم يسعون الى إقرار قوانين تسمح لهم بالقيام بما تقوم به الميليشيات الشيعية من دون قوانين». حتى المجهود السنّي الحالي لإقرار هذه القوانين - يقول المتابعون الاميركيون - متعذّر في ظل معارضة الغالبية البرلمانية الشيعية.

ويتساءل احد المتابعين الاميركيين: «ما قيمة زيارة السيد الجبوري وبرلمانه وقوانينه في عراق تخوض معاركه قوات غير نظامية بإمرة جنرالات إيرانيين؟»

في هذه الاثناء، كانت ماكينة الرئيس الاميركي تحاول رفع العتب عن أوباما، فأوعزت للصحافيين المقرّبين منها بتدبيج مقالات تبرّر سياسته في العراق، التي صار الاميركيون يجمعون على انها متعثّرة.

وفي هذا السياق، تصدّرت صحيفة «واشنطن بوست»، اثناء عطلة نهاية الاسبوع، مقالة مطوّلة جاء فيها ان «سبب تردد أوباما في العراق يعود إلى تردد المؤسسة العسكرية الاميركية في التورط في هذا البلد».

ونقلت عن مصادر في وزارة الدفاع لم تسمّهم قولهم إن «الجنرالات الاميركيين الكبار حالياً كانوا في معظمهم في درجات أدنى قبل عقد وأشرفوا على المعارك على الأرض في العراق، وإن شبح المواجهات تلك مازال يطاردهم ويمنعهم من التورط مجدداً في قتال مشابه».

وأوردت الصحيفة ان رئيس الاركان نفسه الجنرال مارتن ديمبسي «اضطر الى توقيع 135 رسالة نعي الى اهالي جنود اميركيين سقطوا اثناء المعارك التي كان يديرها غرب العراق». لكن الصحيفة تجاهلت - في الغالب عمداً - الرواية المؤكدة بأن ديمبسي هو الذي تسلل الى الليموزين الرئاسية، التي كانت تهم بمغادرة مرآب وزارة الخارجية، حيث استضافت واشنطن لقاء قمة زعماء أفريقيا، وأقنع أوباما بضرورة بدْء الضربات الجوية ضد اهداف «داعش» على إثر انهيار القوات العراقية النظامية في الموصل في يونيو الماضي.

كذلك، ورد في مقالة «واشنطن بوست» أن مسؤولي أوباما حاولوا الالتفاف على التقارير التي أكدت ان قائد قيادة المنطقة الوسطى الجنرال لويد أوستن، كان وضع خطة تتضمن نشر جنود اميركيين في مواقع امامية في الحرب ضد «داعش» لتزويد المقاتلات الاميركية بأهداف عن قرب. لكن أوباما هو الذي عارض النصيحة العسكرية وأصرّ على إبقاء الجنود الاميركيين في أمان في ثكنات عسكرية بعيدة عن العمليات القتالية ضد التنظيم.

زيارة الجبوري كانت موفّقة بالمعايير السياسية، لكن انهيار العراق ودولته وقوانينه وانفلات الامور داخله لمصلحة جنرالات إيران وميليشياتهم العراقية، وصعود ميليشيات سنّية متطرفة مثل «داعش»، وارتباك أوباما المتواصل وقيامه بخطوات خاطئة على عكس النصيحة العسكرية، ثم محاولته التعمية على أخطائه إعلامياً، كلها ظروف تتضامن لتجعل من زيارة رئيس مجلس النواب العراقي الى العاصمة الاميركية ناجحة سياسياً، ولكن من دون تأثير خارج الفقاعة التي تعيشها واشنطن وإعلامها ومراكز أبحاثها وغالبية مسؤوليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق