الأربعاء، 12 أغسطس 2015

عمال وفلاحو وطلبة أوباما يؤيدون الاتفاق مع إيران!

حسين عبدالحسين

من بين منتقدي الرئيس باراك أوباما الكثر، كان البروفسور الراحل فؤاد عجمي اول من أطلق على الرئيس الاميركي صفة الرئيس الشعبوي. وقال عجمي، اللبناني – الاميركي، ان أوباما كان يذكره بعدد من الزعماء العرب الذي يطلقون شعارات ويحشدون التأييد، ولكن من دون سياسات صحيحة او مسؤولة خلف تصريحاتهم.

منذ الاعلان عن التوصل لاتفاقية نووية مع ايران في فيينا، منتصف الشهر الماضي، شن الرئيس باراك أوباما — بالتعاون مع اللوبي الايراني في واشنطن — حملة لحشد تأييد الرأي العام الاميركي، فأطل عبر البرنامج الشعبي الساخر، الذي كان يقدمه جون ستيورات، وتوجه الى الشباب طالبا منهم ان يخابروا ممثليهم في الكونغرس ويبدوا تأييدهم للاتفاقية. وأدلى أوباما بعدد من المقابلات الاعلامية، وأطل في مؤتمر صحافي في البيت الابيض، وارسل وزرائه الى الكونغرس لاقناع المشرعين بجدوى الاتفاقية، وتحذيرهم من الويل والثبور وعظائم الامور في حال رفضوها لأن رفضهم سيؤدي لأخذ البلاد الى حرب مع ايران.

حملة حشد التأييد التي يشنها أوباما مفهومة ومشروعة، لكن غير المفهوم هي العرائض التي يبدو ان البيت الأبيض أوعز لمؤيديه توقيعها وارسالها اليه وتعميمها على الوسائل الاعلامية. العريضة الاولى جاءت من 50 ديبلوماسيا سابقا، كتبوا نصا مؤيدا للاتفاقية النووية مع ايران وارسلوه الى الحكومة الاميركية ووسائل الاعلام. عريضة ثانية مشابهة جاءت من 25 عالما نوويا شرحوا فيها محاسن نظام التفتيش الذي أقرته الاتفاقية مع ايران على منشآت الاخيرة النووية.

اما العريضة الاكثر اثارة للفكاهة والتندر فكانت تلك التي وقعها “اتحاد عمّال الحديد والفولاذ في الولايات المتحدة”. وتورط عمال الفولاذ في قضية نووية شرق اوسطية يبدو تورطا فاقعا تحركه اعتبارات سياسية اعتباطية.

من نافل القول انه في الدول الديموقراطية، لا يتطلب تأييد السياسات الحكومية اي عرائض او تظاهرات، بل ان اصحاب العرائض والمتظاهرين هم في الغالب من المعارضين للسياسات القائمة، فيسعون الى تقديم وجهة نظر مغايرة عن السياسة الحكومية.

وصف الشعبوية نفسه الذي أطلقه عجمي قبل سنوات على أوباما يثبت نفسه اليوم في العرائض المؤيدة من الديبلوماسيين والعلماء والعمال في مشهد يذكر بزمن الدول الاشتراكية والشيوعية، ومسرحياتها التافهة حول التأييد الجماهيري لحكامها، او بالاحرى تأييد قطاعات الشعب المتنوعة للأنظمة الحاكمة والتعبير عن محبتها له.

كان المغني الشيوعي المصري الراحل الشيخ امام عيسى ينشد أغنية ذاع صيتها بعنوان “شيد قصورك عالمزارع”، وكان يتخلل الاغنية عبارة “عمال وفلاحين وطلبة، دقت ساعتنا وتلاقينا” في مشهد يرمز الى ثورة الشعب بقطاعاته المتنوعة. طبعا الشيوعية رحلت ورحل اصحابها، لكن الشعبوية التي يتبناها البيت الابيض في تصويره الحشد الشعبي المؤيد للاتفاقية النووية مع ايران هي بالتأكيد شعبوية تنتمي الى ذلك الزمن الشيوعي المندثر.

وكأن شعبوية أوباما في تصوير التأييد الشعبي له لا تكفي، فراح يكيد لمعارضي الاتفاقية، ويتهمهم على أنهم من محبي الحرب. وفي الخطاب الذي أدلى به امام “الجامعة الاميركية في واشنطن”، ربط أوباما بين معارضته لحرب العراق في العام 2003 وحسن خياراته في السياسة الخارجية، كما ربط بين مؤيدي حرب العراق وسوء آرائهم، واتهمهم بأنهم يسعون الى تقويض الاتفاقية مع ايران حتى يصلون الى حرب معها.

طبعا، لا يهم أوباما ان نائبه جو بايدن ووزيري الخارجية اللذين اختارهما في ولايتيه، هيلاري كلينتون في الاولى وجون كيري في الثانية، كلهم صوتوا لمصلحة الحرب في العراق اثناء عملهم في مجلس الشيوخ في العام 2002، فان كان تأييد حرب العراق مقياسا لسؤدد الرأي في السياسة الخارجية، فلماذا اختار الرئيس الاميركي بايدن وكلينتون وكيري للعمل في صفوف ادارته، وخصوصا للاشراف على سياسته الخارجية؟

الرحمة لفؤاد عجمي، فهو لم يعش ليرى بيانات اتحادات العمال الاميركية المؤيدة لسياسات أوباما الحكيمة. لكن ما رآه عجمي، قبل غيره بكثير، هي الشعبوية المقيتة التي جاء بها الرئيس الاميركي الى البيت الابيض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق