الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

واشنطن لطهران: خذوا سوريا

حسين عبدالحسين

يمكن تلخيص سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه سوريا بأنها سياسة "تعويد" الآخرين على أفكار تقدمها الإدارة، وتلقى رفضاً لدى حلفائها ومؤيديها. ثم تتمسك واشنطن بأفكارها وتعاند، فتتحول افكارها الى "الطبيعي الجديد"، بحسب التعبير الاميركي. بهذه الطريقة روّضت الولايات المتحدة العالم، واحتوت الانتقادات بحقها لوقوفها متفرجة على المجازر الدائرة التي يروح ضحيتها عشرات آلاف السوريين، وتؤدي إلى تهجيرالملايين منهم.

ومع مرور الوقت، تبين أن واشنطن تناور حتى في المواضيع الجدية، كما في خطوط أوباما الحمراء، وتهديده بتوجيه ضربة في حال استخدام الرئيس بشار الأسد للأسلحة الكيماوية، وهو تهديد تراجع أوباما عنه في ما بعد.

كذلك، أظهر الوقت ان وعود الولايات المتحدة بتسليح "المعارضة السورية المعتدلة" كانت وعوداً من باب المناورة، إذ بعد سنتين من التصريحات والنقاش مع اعضاء الكونغرس، واستحصال موافقتهم على موازنات وقوانين لتسليح حفنة من الثوار السوريين لمحاربة تنظيم "الدولة الاسلامية" فقط من دون قوات الأسد، تمسكت ادارة أوباما بالتسويف، وقدمت تبريرات ساذجة لفشل برنامجها التسليحي، من قبيل ان عدم اقبال المتطوعين السوريين على البرنامج كان سببه شهر رمضان المبارك.

اليوم، صار واضحاً أن واشنطن لا تنوي القيام بأي تحرك جدي لمنع وقوع قتلى بين المدنيين السوريين، من قبيل فرض منطقة حظر جوي على مقاتلات الاسد ومروحياته. وصار مقبولاً لدى الرأي العام الاميركي تعثر برنامج تسليح المعارضة السورية.

في ظل التقاعس الاميركي، لم يبق أمام المسؤولين الاميركيين ومؤيديهم من الوسائل الاعلامية الاميركية، الا اكثار الحديث عن الديبلوماسية كحل وحيد للأزمة السورية. وافتتح أوباما نفسه حملة التصرحيات المتفائلة، من دون مبرر، في الشأن السوري واعتقاده باقتراب الحلول السلمية. وفي وقت لاحق، عمد أوباما الى المبالغة في الايجابية عند حديثه عن سوريا، كما سبق ان اوردنا في سياق تحليلنا لرؤية أوباما لبارقة أمل في سوريا، وتوظيفه تفاؤله لتسويق الاتفاقية النووية مع ايران، وتصوير الاتفاقية وكأنها بدأت تؤتي ثمارا في مجالات شرق اوسطية متعددة، وفي طليعتها الحلول الديبلوماسية في سوريا.

مطلع هذا الاسبوع، كررت صحيفة "نيويورك تايمز"، المحسوبة على ادارة أوباما، الحديث عن اقتراب الفرج السوري، ونشرت افتتاحية بعنوان "فرصة للديبلوماسية في سوريا".

وجاء في الافتتاحية ان "اتمام الاتفاقية النووية مع ايران الشهر الماضي، خلق مساحة للدفع بشكل متجدد في اتجاه حل سياسي للحرب الاهلية المدمرة بين رئيس سوريا بشار الأسد والثوار الذين يسعون للاطاحة به". وبنفس المنطق الذي تحدث به أوباما، تابعت الصحيفة ان هناك خوفاً من المزيد من الانهيار في الدولة السورية، وان "السيد الأسد يعاني على أرض المعركة ومن تجنيد مقاتلين لجيشه الذي يزداد ضعفه" مع مرور الايام.

واعترفت الصحيفة، ربما بالنيابة عن الادارة الاميركية، بفشل برنامج تسليح وتدريب الثوار "للافادة من الضربات الاميركية الجوية ضد داعش".

كذلك، كررت "نيويورك تايمز" اعتقاد أوباما ان موسكو أدركت مخاطر انهيار الأسد، وهو ما دفعها الى الطاولة، هذه الطاولة التي صارت تنتظر الايرانيين للحضور والتوصل لحل للأزمة السورية.

الافتتاحية المذكورة لا تقدم افكارا أميركية جديدة، لكنها بمثابة تلويح للايرانيين بأن الظروف للتسوية في سوريا اصبحت ناضجة، وان الروس اقتنعوا بذلك، وان على طهران البناء على الاتفاقية النووية للتوصل الى تسوية.

بين سطور المقالة المذكورة، كما بين سطور تصريحات أوباما ومسؤوليه، وكما رشح من اروقة المحادثات الدولية والاميركية مع ايران، اصرار اميركي متواصل على ضرورة دخول ايران في الحل السوري وخروج الأسد منه. بكلام آخر، تكرر واشنطن دعوتها لطهران: تخلوا عن الأسد وخذوا سيطرتكم على سوريا مقابل هذا التخلي.

اما ايران، فيبدو انها تعتقد انها في موقع جيد لا يستدعي المقايضة، فطهران ترى انه يمكنها الاحتفاظ بالاثنين: الأسد والسيطرة على سوريا. لذا، لا سبب إيرانياً للتضحية بالأسد، والاتفاقية النووية التي يتوقع ان تمنحهم اموالا وعلاقات ديبلوماسية، من شأنها ان تعزز من التمسك الايراني بالاصرار على حل على طريقة طهران. أما أوباما، فيمكن له ولادارته واعلامييه ان يقولوا ما يشاؤوا عن مصير الأزمة السورية، لكن اقوالهم ستبقى، كسابقتها، ثرثرة من دون تأثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق