الأربعاء، 26 أغسطس 2015

هلال القمامة

حسين عبدالحسين

في لبنان، أدت خطوة حكومية غير موفقة الى تراكم القمامة، ما حوّل البلاد الى جحيم اختلطت فيه الروائح الكريهة والذباب والبعوض بالحرارة المرتفعة والماء المنقطعة، فاندفع الاف المتظاهرين اللبنانيين المتذمرين الى الشارع في تظاهرة كبيرة أدت الى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن.

واللبنانيون لم يكونوا أول الثائرين بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء والماء. قبلهم، خرج الاف العراقيين الى الشوارع، معترضين، متذمرين، ومطالبين بالتخلص من طبقة من الحكام الفاسدين المتسببين بتحويل حياتهم اليومية الى معاناة متواصلة.

اما ابرز القواسم المشتركة بين بغداد وبيروت فتكمن في ان العاصمتين تخضعان لنفوذ طهران، التي تقود ما يعرف بـ “محور الممانعة”، وهو تحالف اقليمي تدفع بموجبه طهران العرب الى الحروب، فيخرج من بين عرب ايران من يقسم على مواجهة الاستكبار العالمي بقيادة أميركا، فيما ينزل وزير خارجية ايران جواد ظريف في افخر فنادق اوروبا حيث يتأبط ذراع نظيره الاميركي جون كيري ويتحدث عن الديبلوماسية والحلول السلمية بين ايران والولايات المتحدة.

وهلال مقاومة الاستكبار يمتد من غزة شمالا الى لبنان، فسوريا والعراق، جنوبا الى شط العرب حيث يصب نهرا دجلة والفرات، وهو نفس الهلال الذي تتراكم فيه النفايات، ما يؤدي الى انتشار البعوض والذباب، وتنقطع الكهرباء والماء، فيعيش السكان وكأنهم في القرون الوسطى وهم يلعنون الزمان الذي أوصلهم الى ما هم فيه.

وهلال النفايات هذا هو الهلال حيث المجموعات المسلحة، التي تصفها طهران بحشود شعبية عفوية تسلحت انتصارا لكرامتها ودفاعا عن ارضها وعرضها. وهلال الكرامة الوطنية وممانعة الامبريالية هو الهلال الذي تفشل فيه الحكومات.

وانعدام الخدمات في هلال النفايات سببه واضح، اذ لا يمكن تقويض سيادة الحكومة في النواحي الامنية واضعافها، ثم الطلب الى الحكومة نفسها ضبط الفساد، وتقديم الخدمات، وجمع الزبالة، وتأمين التيار الكهربائي والماء، فالحكومة هي منظومة متكاملة، تعطي مجموعة من المسؤولين – اي السلطة التنفيذية – المقدرة على احتكار العنف بهدف ضبط الأمن. والسلطة التنفيذية بدورها تستخدم العنف المخولة استخدامه لحماية السلطات الاخرى، كالتشريعية والقضائية، ما يسمح لها لتنفيذ احكام القضاء وإلقاء القبض على الفاسدين ومحاسبتهم.

لكن عقودا من “التعبئة” العقائدية لمجموعات غير حكومية، وتدريب هذه المجموعات وتسليحها وتمويلها، خلق قوات موازية في قدراتها — خصوصا الامنية — لقدرات الحكومات في دول مثل لبنان والعراق. وبفقدانها المقدرة على احتكار العنف، تفقد الحكومات سيادتها على اجزاء من اراضيها، فتتحول هذه الاجزاء الى ملاجئ للفاسدين والمفسدين والخارجين عن القانون. وفي مرحلة لاحقة، تتحالف تيارات سياسية مع الميليشيات، وتحتمي بها ضد الدولة، ما يؤدي الى المزيد من اضعاف الحكومة امام الفساد والفاسدين، ويقوض قدرتها على تأمين الخدمات الضرورية المطلوبة لتسيير امور البلاد وشؤون المواطنين.

ان التزاوج بين اي حكومة وميليشيات مسلحة هو أمر مستحيل، على عكس ما تقول طهران. كذلك يستحيل تحويل الحكومات الى “حكومات مقاومة”، لانها بذلك تصبح حكومات تعيش تحت رحمة الميليشيات، وهو ما يقوض سيادة الحكومة في الشؤون الامنية وسائر الشؤون الاخرى.

ستستمر الميليشيات الموالية لايران بتقويض سيادة وسلطة حكومات هلال النفايات، وستستمر هذه الميليشيات نفسها بالاصرار على انها حققت، وماتزال تحقق، انتصارات عسكرية باهرة هي بمثابة المفخرة القومية والوطنية. وفي الوقت نفسه، سيبقى سكان هلال النفايات مغلوبين على امرهم، يقال لهم انهم منتصرون، وهم كلما نظروا حولهم وجدوا انفسهم يعيشون في وسط الزبالة، ويرفعون شارات النصر بين الذباب والبعوض.

في هلال الزبالة، الانتصارات العسكرية وافرة، وكذلك النفايات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق