الاثنين، 12 أكتوبر 2015

واشنطن تتراجع وتتبنى موقف الرياض

حسين عبدالحسين

في آذار (مارس) 2012، وقف وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحافي مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون، وقال ان “تسليح المعارضة (السورية) واجب”. لم تلتزم كلينتون يومها الموقف السعودي، لكنها بعد خروجها من الحكم، أوردت في كتاب مذكراتها انها كانت توافق الرؤية القائلة بضرورة تسليح المعارضين السوريين، الا ان الرئيس باراك أوباما هو الذي رفض التسليح.

بعد سنتين ونصف، كرر أوباما في مقابلته مع برنامج “ستون دقيقة”، يوم الأحد، انه مازال ملتزما بموقفه نفسه في سوريا والقاضي بعدم التورط الأميركي العسكري هناك.

طبعا الرئيس الأميركي يكابر. صحيح انه متمسك بموقفه بعدم التدخل عسكريا، الا انه تراجع في الأسبوعين الأخيرين عن رفضه تسليح المعارضين السوريين، الذين دأب على تصويرهم – على مدى الأعوام الأربعة الماضية – على انهم هواة في القتال لأنهم أصلا أطباء اسنان وأساتذة مدارس وعمّال.

في مقابلته الأخيرة، التزم أوباما الصمت في موضوع تسليح المعارضين، ولم يكرر رفضه تسليحهم. اكتفى أوباما بإلقاء اللائمة في فشل برنامج “تدريب وتجهيز” خمسة الاف معارض على من طالبوه بالقيام بذلك، قائلا انه وافق على البرنامج بسبب مطالبة الآخرين له.

في قول أوباما انه يلتزم سياسته نفسها في سوريا بعض الصدق وبعض المواربة. صحيح ان أوباما لن يتدخل عسكريا أكثر من قيام مقاتلاته بشن ضربات جوية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، الا ان أوباما تراجع كليا عن رفضه تسليح المعارضين، فعلى مدى الأسبوعين الماضيين، دأب مسؤولو الإدارة على القول انهم ألغوا برنامج التدريب، وانهم سيستخدمون المبلغ الذي رصده الكونغرس لهذه الغاية، والبالغ نصف ترليون دولار، لبرامج بديلة.

ويوم الجمعة الماضي، أطل ثلاثة من كبار المسؤولين في البيت الأبيض هم نائب مستشارة الامن القومي بن رودز، ونائب المبعوث الرئاسي الى التحالف الدولي لمحاربة داعش بيرت ماكغيرك، ومساعدة وزير الدفاع كريستين وارموث، ليقدموا للصحافيين “السياسة الأميركية الجديدة لمكافحة داعش”.

وعلى الرغم من ان الجلسة كانت مخصصة للحديث عن الحرب ضد داعش، لم يتلفظ المسؤولون الاميركيون بكلمة إيران مرة واحدة، ولم يتحدثوا عن العراق، بل أسهبوا بالحديث عن خطتهم الجديدة القاضية بتزويد زعماء فصائل سورية مسلحة بـ “معدات” لتعزيز “قدراتهم الهجومية”.

وكرر المسؤولون الثلاثة قولهم ان الادارة تعلمت من تجربتها في الحرب ضد داعش المندلعة منذ الصيف الماضي، وان هذه التجربة تشير الى استحالة إلحاق الهزيمة بالتنظيم الإرهابي من دون قيام مقاتلين محليين على الأرض بذلك، وان واشنطن تعمل الآن على تقوية هؤلاء المقاتلين السوريين المحليين.

اما رودز، فكان أكثر صراحة، وقال ان هدف واشنطن من تسليح المعارضة السورية ليس قتال داعش فحسب، بل لإقامة معارضة سورية مسلحة قوية وذات مصداقية حتى تتمكن من الدخول في تسوية تجمعها مع نظام الأسد في وقت لاحق. واعتبر رودز ان لا الأسد ولا الثوار يمكنهم التوصل الى حل عبر الحسم العسكري، وفي ذلك إشارة الى انه على الرغم من التدخل الروسي، لن تسمح أميركا وحلفاؤها للأسد بالحسم ضد المعارضين.

لماذا انتظرت واشنطن عامين ونصف العام، منذ تصريح الأمير الراحل سعود الفيصل حتى تستمع لنصيحة الرياض وتقوم بتسليح المعارضة؟ وهل يعقل ان تكون السياسة الخارجية لقوة عظمى كالولايات المتحدة مرتبطة بالتجربة الآنية للمسؤولين، بغض النظر عن تجارب واشنطن وحلفائها التي تعود الى عقود في منطقة الشرق الأوسط.

قد يكون انعدام خبرة أوباما وفريقه سببا في تأخر واشنطن في الاستماع لنصائح حلفائها مثل الأمير الراحل، الذي كان أمضى 37 عاما وزيرا للخارجية يوم أطلق ذلك التصريح عن ضرورة تسليح معارضي سوريا.

اما الإجابة الأكثر رجحانا حول تأخر واشنطن في تسليح المعارضين فترتبط برؤية أميركا للأسد. في المرحلة الأولى، كانت واشنطن تعتقد ان الأسد هو جزء من عملية تقاربها مع طهران. لكن منذ التدخل الروسي في سوريا، يبدو ان واشنطن صارت ترى الأسد جزءا من عدائها لموسكو.
هكذا انقلب الأسد من صديق محتمل الى عدو مؤكد، وهكذا انقلبت سياسة أوباما من رافض لتسليح معارضي سوريا الى ساع لتسليحهم.

ليت واشنطن استمعت لنصيحة الرياض منذ العام 2012، لكانت وفرت على سوريا والسوريين مغامرات الأسد وصديقه رئيس روسيا فلاديمير بوتين.

لكن الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه فضيلة، على أمل ان تكفّر واشنطن عن باقي اخطائها باستماعها لمن لهم خبرة وباع أطول في شؤون الشرق الأوسط وشجونه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق