الخميس، 22 أكتوبر 2015

خطة كسينجر:تقسيم سوريا

حسين عبدالحسين

قد يبدو عنوان هذه المقالة من بقايا ما يسميه البعض "الخطاب الخشبي" عند العرب. وقد يبدو عنوان هذه المقالة من زمن الحرب الباردة أيضا. لكن الواقع هو ان كاتب المقالة، المنشورة في صحيفة "وال ستريت جورنال" يوم الأحد، هو وزير الخارجية السابق هنري كيسينجر نفسه، والذي على الرغم من تقدمه في السن وبلوغه الثانية والتسعين، مازال يتمتع بنفوذ كبير لدى صانعي السياسة الخارجية الأميركية من الحزبين الديموقراطي والجمهوري.

يقول كيسينجر ان "القضاء على (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) داعش هو أمر أكثر الحاحا من الإطاحة بـ (الرئيس السوري) بشار الأسد، الذي خسر حتى الآن السيطرة على أكثر من نصف المساحة التي كان يسيطر عليها". ويتابع الوزير السابق ان التأكد من ان المساحات التي خسرها الأسد لن تتحول الى بؤر إرهابية هو موضوع يجب ان يتمتع بأولوية أميركية على موضوع اسقاط الأسد. 

ولا شك انه صار معروفا ان واقعية كيسينجر، اليهودي الألماني الأصل الذي فر وعائلته من أوروبا هربا من محارق النازيين، تتضارب مع آرائه حول دخول أميركا الحرب العالمية والتي انخرط فيها كيسنجر كجندي ثم كضابط استخبارات عسكرية لقتال النازية ووقف مجازرها. وصار معروفا أيضا ان اليمين الجمهوري الاميركي، الذي ينتمي اليه كيسينجر، هو من أول المدافعين عن بقاء الأسد كجزء من "تحالف الأقليات"، الذي يشترك فيه مسيحيو لبنان مع يهود إسرائيل وعلويي سوريا وشيعة إيران والعراق، على الأقل حسبما يتصوره اليمين الأميركي، المدافع الأكبر عن إسرائيل والأسد في الوقت نفسه.

لكن المفاجأة تكمن في انه بعد عقود على نهاية الحرب الباردة، مازال كيسينجر يكتب ان الحل الأفضل في سوريا هو تقسيمها. ومما كتبه كيسينجر انه "مع تفكيك منطقة الإرهابيين ووضعها تحت سيطرة سياسية غير راديكالية، يمكن التعامل مع مستقبل سوريا في الوقت نفسه". واقترح كيسينجر "بناء فيدرالية بين الأجزاء العلوية والسنية". ويتابع كيسينجر ان "الفيدرالية تسمح بالإبقاء على دور لبشار الأسد في الحكم، وهو ما من شأنه ان يقلص من مخاطر الإبادة او الفوضى التي تؤدي لانتصار الإرهابيين".

طبعا، لا يفطن كيسينجر للتناقض الواضح في مقالته، فهو في الجزء الأول منها يتحدث بواقعية مميتة تعتبر بأن بقاء الأسد، ولو على جثث مئات الاف السوريين، هو في مصلحة أميركا حتى لا تتحول الأراضي التي يخسرها نظامه مرتعا للإرهابيين. في الجزء الثاني من المقالة، يخسر كيسينجر واقعيته ويستعيد حسّه الإنساني المفترض الذي يدفعه الى الاشفاق على العلويين والخوف من مغبة وقوع مجازر إبادة بحقهم.

لطالما تحدث أصحاب "نظريات المؤامرة" العرب عن مشروع امبريالي غربي أميركي يهدف الى تقسيم المنطقة العربية بهدف اضعافها. طبعا المنطقة العربية ضعيفة أصلا ولا تحتاج للمزيد من الإضعاف، لكن قد يكون خلف التخوف العربي من التقسيم انحياز الغرب غير العادل الى مجموعات دينية تتماهى معه ضد مجموعات دينية يصنفها الغرب كإرهابية وعدوة.

هكذا، عندما تعني وحدة أي دولة عربية سيطرة للغرب او للمجموعات الدينية المشابهة له، يكثر الغرب من الحديث عن تمسكه بوحدة أراضي هذه الدولة او تلك. اما عندما تصبح سيطرة "الأقليات" متعذرة، يبدأ حديث كيسينجر وصحبه عن تقسيم سوريا، وهي فكرة تلي عقوداً من الحديث عن تقسيم لبنان، تلاها حديث عن فدرلة العراق. الفيدرالية بذاتها ليست سيئة بالضرورة، ولكن السيء هو ان يختار الغربيون الفيدرالية عندما يناسبهم ذلك، ويتخلون عنها عندما يناسبهم الامر ايضا، وكأن حق الشعوب في تقرير مصيرها وأنظمة حكمها هو تفصيل لا يلوّح به الغربيون من أمثال كيسينجر الا عندما يرون فيه مصلحة لهم ولتحالف أقليات الشرق الأوسط الذي يستهويهم، والذي يبدو انه صار يستهوي غيرهم من زعماء العالم ويدفعهم الى مغامرات عسكرية على أمل تزعّم التحالف الأقلوي المزعوم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق