الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

معاداة أميركا أفضل من مصادقتها

حسين عبدالحسين

يوم وافقت انقرة، الصيف الماضي، على منح واشنطن حق استخدام قاعدة انجرليك الجنوبية لشن غارات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، فعلت ذلك بشرطين: الأول دفاع الولايات المتحدة عن المجال الجوي التركي، والثاني موافقة أميركا على قيام انقرة بفرض منطقة أمنية على حدودها المشتركة مع سوريا.

كانت الموافقة التركية بمثابة تنازل عن مطالب أنقرة السابقة المطالبة بشن غارات متزامنة ضد "داعش" وقوات الرئيس السوري بشار الأسد، على اعتبار ان القضاء على التنظيم الإرهابي يشترط القضاء على مسببه، أي عنف قوات الأسد بحق السوريين.

ويوم وافقت واشنطن على شرطي انقرة لاستخدام انجرليك، لم تكن المقاتلات الروسية قد اتخذت بعد من شمال سوريا الغربي مقراً لها لشن غاراتها ضد المعارضة السورية المسلحة، ولم تكن المعارك على الحدود التركية مع الجيب العلوي مستعرة بين قوات الأسد والمعارضين السوريين.

لكن بعد دخول روسيا الحرب السورية، صارت المقاتلات الروسية تطير على مقربة من المواقع التركية، وهو ما حدا بالأتراك لإثارة الموضوع مع الاميركيين، فوعدت واشنطن بإرسال سرب من مقاتلات "اف-15" الى انجرليك لتعزيز قوتها الجوية، وضمان عدم حصول اختراقات روسية.

وقبل أكثر من أسبوعين، وصلت المقاتلات الأميركية الى قاعدتها التركية، واستمرت الاختراقات الروسية للمجال الجوي التركي، ما دفع انقرة الى القيام بنفسها بوضع حد للاختراقات الروسية، فاعترضت مقاتلتان تركيتان مقاتلة روسية، وبعدما رفضت الأخيرة الخروج من المجال التركي، اسقطها الاتراك.

هنا جنّ جنون أوباما، وتبين ان ادعاءاته القائلة بأن تعزيزاته الجوية لم تكن بهدف حماية أجواء تركيا بل لتكثيف الضربات ضد "داعش" دون سواه.

وعلى الرغم من تأكيد وزارة الدفاع الأميركية ان المقاتلة الروسية اخترقت فعليا الأجواء التركية، الا ان بياني حلف شمال الأطلسي والبيت الأبيض اكتفيا بالحديث عن دعمهما "لحق تركيا بالدفاع عن سيادتها". ولم يشر أي من التحالف او واشنطن الى تضامن مع الحليفة انقرة، او الوقوف بجانبها لضمان عدم اختراق المقاتلات الروسية لأجوائها في المستقبل او التصدي لردود أفعال عسكرية روسية محتملة.

وفي البيان الصادر عن البيت الابيض على إثر الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والتركي رجب طيب أردوغان إيحاء بوقوف واشنطن بعيدة عن انقرة، إذ ورد في البيان ان "الزعيمين اتفقا على نزع فتيل التوتر والسعي لترتيبات تضمن ان حوادث من هذا النوع لن تحصل مرة ثانية".

وكان جلياً ان البيت الأبيض لم يظهر الدعم المطلوب للأتراك، ولم يؤكد وقوف واشنطن الى جانب حليفتها انقرة. كما لم يوضح البيان سبب تقاعس المقاتلات الأميركية في الدفاع عن الأجواء التركية، حسب اتفاق انجرليك الأخير.

ولم يكتف البيت الأبيض ببرودته، بل عمد الى تأزيم الوضع أكثر مع انقرة، فسربت أوساطه الى احدى الصحف الأميركية ما مفاده انها تدعو تركيا الى اغلاق حدودها امام تدفق المقاتلين لانضمامهم الى "داعش" في العراق وسوريا، وكأن اميركا تتراجع عن اتفاقية المنطقة الحدودية الآمنة مع انقرة.

الرئيس الأميركي عديم الخبرة في السياسة الدولية، وهو لا يفطن أن تصرفاته، التي يظنّها ذكية وحكيمة، هي في الواقع قصيرة النظر، وتشجع الدول على معاداة أميركا بدلا من مصادقتها والتحالف معها، فعندما تعاني تركيا من تدفق اللاجئين السوريين بسبب بقاء الأسد. وعندما تعاني من تفجيرات في أراضيها يقوم بها "داعش" أو الأسد، وعندما تعاني من افتتاح الروس قاعدة جوية لهم جنوب تركيا ومحاولتهم السيطرة على الأجواء في المنطقة، يصبح قيام المقاتلات التركية بالدفاع عن اجوائها أقل الممكن.

لكن أوباما، على الرغم من تأكيداته المتواصلة لحلفائه بالدفاع عنهم، لا يرغب في التورط بسببهم في أي مواجهات عسكرية، كبيرة كانت أم صغيرة، لذلك عندما يقوم الحلفاء بالدفاع عن أنفسهم، نرى برودة واشنطن ونأيها بالنفس عن الحوادث مثل حادثة اسقاط المقاتلة الروسية.

أوباما لا يعي أن العالم ينظر اليه ويرى رئيساً أميركيا يسعى بكل قوته إلى الصداقة مع إيران، التي قتلت ألف جندي أميركي في العراق، ويسعى في الوقت نفسه الى الابتعاد عن حلفاء اميركا واصدقائها؛ لا يعي أنه عندما تخلّ بلاده بتحالفها مع صديقتها تركيا، في ما تسعى لخطب ود عدوتها إيران، أنه يرسل رسالة الى العالم مفادها أن معاداة أميركا أفضل من مصادقتها، وأن سياسته هذه هي التي أطلقت يد خصوم أميركا، وسمحت لهم بالتطاول على الحلفاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق