الاثنين، 7 مارس 2016

وزارة الخارجية الأميركية لا تعرف كيفية الردّ على هاتف

حسين عبدالحسين

يُكرر ضباط أميركيون القول، إنه أثناء احتلالهم العراق، كان العراقيون يطلبون منهم تأمين المياه والكهرباء والخدمات الأساسية، وإن الفشل الأميركي المتكرر في ذلك الأمر، كان غالباً ما يدفع العراقيين للقول: "أنتم الأميركيون صعدتم إلى القمر، ولا تعرفون كيف تديرون الماء ناحية بيوتنا؟".

مشكلة القوة العظمى الأميركية، أن أداءها السيء في العراق لم يعلمها الكثير، فاستمرت في ارتكاب الأخطاء، لا لقلة الإمكانيات، بل لخبل يبدو أنه يصيب رؤوس كل المتعاقبين على العمل في الحكومة الفيدرالية.

آخر تجليات العجز الأميركي غير المبرر، هو الخط الساخن الذي خصصته وزارة الخارجية لشكاوى السوريين، لرصد الاختراقات المتوقعة لعملية "وقف الأعمال العدائية"، المستمرة في سوريا منذ عشرة أيام.

في الولايات المتحدة خطوط هاتفية تبدأ بمفتاح 800 أو 888، وهي خطوط يمكن الاتصال بها من دون أي تكلفة تترتب على المتصل. وزارة الخارجية، لم تلجأ إلى استخدام أي من هذه الخطوط، بل قدمت رقماً يبدأ بمفتاح 202 المخصص للعاصمة واشنطن، ما يعني أن أي ناشط سوري يرغب في الاتصال بالخط الساخن، سيتكبد تكاليف مخابرة دولية.

وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أن الخط الساخن المخصص للهدنة السورية، مفتوح 24 ساعة يومياً، على مدار أيام الأسبوع. وهذا يعني أن الوزارة خصصت فريقاً لاستقبال الاتصالات على مدار الساعة. نظرياً، شروط الفريق هي المقدرة على الحوار بالعربية للرد على السوريين وتلقي شكاويهم وتسجيلها. كذلك يُفضّل أن يكون عامل الهاتف متمتعاً بأدنى المعلومات حول جغرافية سوريا، حتى يتكمن من تحديد موقع الشكوى، وفهم اسم الجهة الشاكية والمشتكى ضدها.

وفي وقت قد يعتقد البعض أنه من اليسير العثور على أميركيين يتكلمون العربية وعلى دراية بالشأن السوري، خاصة في ظل وجود عدد من اللاجئين من النخبة السورية في العاصمة الأميركية ممن يبحثون عن عمل، إلا أن الخارجية لم تلجأ إلى توظيف أي من هؤلاء، وإن بدوام جزئي. لأن العمل في الوزارة يحتاج إلى تراخيص أمنية، وهي عملية معقدة، وتتطلب بعض الوقت، وتشترط أن يحمل الموظف الجنسية الأميركية.

هكذا، عممت وزارة الخارجية على كل العاملين فيها، وفي كل المؤسسات التابعة لها، أي حتى في الإدارات التي تشرف على برامج تنموية مثلاً، أنها تطلب على وجه السرعة موظفين يتحدثون العربية، وعرضت عليهم أجوراً مرتفعة لاغرائهم للقيام بدور عامل هاتف، وبساعات خارج الدوام.

من عثرت عليهم الوزارة، كانوا إما يتكلمون بعربية ركيكة، أو ممن عاشوا في دول عربية خارج المشرق، مثل مصر أو المغرب أو الخليج، ممن لا يمكنهم الحوار بلهجات مشرقية سورية.

بعد ثلاثة أيام على إعلان الخارجية عن خط الشكاوى الساخن، لم يستقبل الخط أكثر من عشرة اتصالات، ولم يتمكن الكادر من تدوين أي معلومات ذات فائدة. وقام موقع "سريا دايركت" بالاتصال بعد 45 دقيقة من دخول الهدنة حيز التنفيذ، للشكوى حول سلسلة من الاختراقات التي قامت بها قوات الرئيس بشار الأسد في عدد من المناطق في حمص. ويقول مراسل الموقع، إن عامل الهاتف ردّ بالإنكليزية، ثم تحول إلى عربية ركيكة، وظلّ على مدى المخابرة يكرر "حمص، حمص، حمص".

هذا الأداء المزري تحول إلى مادة للتندر بين المراسلين المعتمدين في الخارجية، الذين سألوا الناطق باسمها مارك تونر، حول الأمر، فبدا محرجاً، ورفض حتى إعلان رقم الخط الذي سبق الإعلان عنه، وقال: "اعتذر منكم، فشلت هذه المرة".

ومن العاملين الذين لبوا نداء الخارجية للعمل خلف الخط الساخن، شابة تتكلم الفصحى وتعمل في شؤون مكافحة الاتجار بالبشر. سألتها إن وردتها اتصالات وعن ماهية هذه الاتصالات، فقالت: "نعم، اتصل بي أحدهم من سوريا، وقال لي إنه يريد أن يشتكي على وزارة الخارجية"، ويبدو أنها كان تعني القول أن يشتكي لوزارة الخارجية. أجبتها: "أنت على حق، أميركا تحتاج إلى خط ساخن للتشكي على وزارة الخارجية وعلى كل الحكومة الأميركية"، فابتسمت وأومأت برأسها، ولا يبدو أنها فهمت قصدي.

هذه هي القوة العظمى المحسوبة على السوريين وثورتهم. هذه هي القوة العظمى التي يفترض أنها صاحبة مخططات جهنمية لاضعاف المنطقة وتفتيتها والقضاء على المقاومة والممانعة وما شابههما. هي قوة عظمى لا تعرف وزراة خارجيتها كيفية الرد على هاتف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق