الأربعاء، 20 أبريل 2016

قصة الصفحات السرّية في تقرير لجنة 11 سبتمبر

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

وزع عدد من أعضاء الكونغرس «مشروع قانون» يهدف الى إجبار ادارة الرئيس باراك أوباما على رفع السرّية عن 28 صفحة، من تقرير «لجنة تقصي حقائق هجمات 11 سبتمبر 2001» الذي يقع في آلاف الصفحات. ويصوّر القيّمون على «مشروع القانون» إبقاء هذه الصفحات سرّية، بمنزلة عملية تستّر تمارسها الادارات المتعاقبة، من اجل إخفاء تورّط حكومة المملكة العربية السعودية، او عاملين فيها او اعضاء في العائلة المالكة، في تخطيط وتمويل الهجمات التي راح ضحيتها اكثر من ثلاثة آلاف أميركي.

وتعمل جمعية «اقرباء ضحايا 11 سبتمبر» على حضّ الكونغرس على المصادقة على «مشروع القانون» الذي يسمح لها، في حال إقراره، بمقاضاة الحكومة السعودية والحصول عل تعويضات. وفي حال صدور اي حكم منذ هذا النوع، يحق للمحاكم الاميركية تحصيل التعويضات من ايداعات سعودية في بنوك اميركية.

ودفع «مشروع القانون» المذكور وزير خارجية السعودية عادل الجبير الى تهديد واشنطن بتسييل ما قيمته 750 ملياردولار من السندات الحكومية الاميركية التي تملكها الرياض. رغم انه يمكن لواشنطن استبدال الدائنين، إلا أن خطوة سعودية من هذا النوع قد تفرض على واشنطن الاستدانة بفائدة أعلى، وهو ما يرفع من قيمة خدمة الدين العام الاميركي.

ورغم سرّية الصفحات الثمانية والعشرين، إلا ان من يعرفون واشنطن يرجّحون ان فحوى الصفحات ليست بهذه السرّية. ومن يعرفون واشنطن، يعرفون انه على اثر الهجمات، قامت الادارة بتجميد كل الاموال السعودية في أميركا بسبب الاشتباه بتورط ديبلوماسيين سعوديين في الهجمات. ورغم العلاقة الممتازة التي كان يتمتع بها السفير السعودي في أميركا في حينه الأمير بندر بن سلطان، إلا انه اضطر الى تسديد رواتب موظفيه بإرسال محاسبيه الى كندا لسحب اموال نقدية لتمويل عمل السفارة. وبقي التجميد الاميركي على اموال السفارة السعودية سارياً الى ان اظهرت التحقيقات عدم وجود اي تورّط، فتم الافراج عن الاموال السعودية.

إلا ان قياديين في الحزب الديموقراطي المعارض للرئيس الجمهوري السابق جورج بوش والمعارض لحرب العراق، دأبوا على إجراء تحقيقات، لإظهار ان ادارة بوش كانت تكذّب لتضليل الاميركيين وسوقهم الى الحرب. واختلط تضليل بوش في العراق مع ما يعتقد اميركيون أنه تضليل حول اخفاء اميركا للدور السعودي في الهجمات.

ولم يكد السيناتور الديموقراطي السابق عن ولاية فلوريدا بوب غراهام يعلن نيته التقاعد في العام 2004، حتى أصدر كتابا حمل عنوان «للاستخبارات أهمية: السي آي أي، الإف بي آي، العربية السعودية، وفشل حرب أميركا على الارهاب».

وإصدار أعضاء الكونغرس كتباً مع اقتراب تقاعدهم صار تقليداً، إذ يعتقد العضو انه تحرر من قيود المصالح التي تدعمه، ما يسمح له ان يقدم رأيه بحرية، وهو ما فعله غراهام الذي كان عمل رئيساً للجنة تقصي حقائق «الهجمات»، واتهم في كتابه ادارة بوش بعرقلة التحقيقات التي قامت بها اللجنة التي ترأسها.

في كتاب غراهام مواطنان سعوديان كانا يسكنان ولاية كاليفورنيا غرب البلاد، ويعتقد انهما يعملان مع الاستخبارات السعودية، رغم نفي الرياض. الاول يدعى عمر بيومي والثاني اسامة البسنان. ويقول غراهام انه يوم وصول خالد المزهر ونواف الحازمي، اللذين شاركا في خطف طائرة «أميركان إيرلاينز» التي ارتطمت بالجدار الغربي لمبنى وزارة الدفاع «البنتاغون»، قاد بيومي سيارته الى لوس انجلوس، حيث التقى الديبلوماسي في القنصلية السعودية فهد الثميري. بعد اللقاء، ذهب بيومي الى غداء في مطعم عربي، ويدّعي أنه التقى صدفة شابيْن هما المزهر والحازمي، ونشأت بينهما صداقة، وساعدهما على الانتقال الى سان دييغو والحصول على اوراق اقامة وتأمين وتأجير منزل.

ويقول غراهام إن المزهر والحازمي اقاما فترة في ضيافة شيخ مسجد من أصل هندي، وأسرّا له بنيّتيهما القيام بالهجمات، وإن الاخير كان عميلا لدى «إف بي آي» وأعلم المسؤولين عنه، إلا ان الإخبارية لم تصل الى السلطات العليا.

ويتابع غراهام ان بيومي كان يتقاضى مرتباً ونفقات من هيئة الطيران السعودية، وان المسؤولين عنه حاولوا طرده، لكن رسائل حكومية منعت ذلك. كذلك، قام البسنان بزيارة سفارة السعودية في واشنطن لطلب اموال للإنفاق على علاج زوجته، وحصل على 15 ألف دولار. وفيما بعد، قصدت زوجة البسنان السفارة لطلب مساعدة مالية لعلاجها، فوضعتها زوجة السفير الاميرة هيفاء الفيصل على لائحة مرتّبات شهرية ترواحت بين ألفي وثلاثة آلاف دولار. ثم قامت زوجة البسنان بتوقيع الشيكات وتجييرها لزوجة بيومي، الذي ساعد المزهر والحازمي.

وينقل غراهام عن مسؤول في «سي آي أي» ان «الحكومة السعودية موَّلت ما بين 8 و16 في المئة من إجمالي الاموال التي انفقها إرهابيو 11 سبتمبر على إقامتهم، وتسديد نفقات صفوف الطيران، وشراء تذاكر السفر».

هذا هو التورّط السعودي المزعوم الذي كشف تفاصيله السيناتور غراهام في كتابه، والذي يبدو أن الحكومة الأميركية تبقيه طي الكتمان لأن فيه بعض الإحراج لعلاقتها مع الرياض.

لكن رواية غراهام تطرح أسئلة اكثر من تقديمها إجابات، مثلاً لو كانت الحكومة السعودية تنوي تمويل الهجمات، فلماذا حصرت تمويلها بأقل من 20 في المئة من إجمالي المبلغ؟ واذا كان عميلا الاستخبارات السعودية في سان دييغو ساعدا الارهابيين المزهر والحازمي على الاستقرار في أميركا، فلمَ لم يساعد عملاء السعودية الارهابيين السعوديين الثلاثة عشر الآخرين (إجمالي منفّذي الهجمات 19 مهاجماً، 15 منهم من السعودية).

كتاب غراهام كشف ما يعتقد كثيرون أنه يرد في الصفحات الثمانية والعشرين، التي يدور الصراع اليوم حولها. لكن ما كشفه غراهام لا يقدم إثباتات على تورّط الرياض، ولا يسمح بمقاضاتها امام المحاكم الاميركية.

ويعتقد عدد من المسؤولين السابقين أن الصفحات موضوع الجدل قد تحتوي اسماء مخبرين ومصادر معلومات استخباراتية حصلت عليها واشنطن قبل الهجمات، من حكومات صديقة كالرياض، وهو ما يدين الحكومة الاميركية لتقاعسها في وقف الهجمات.

«بالنسبة لي، السؤال الأبسط حول 11 سبتمبر، والذي لم تتوفر اجابة عنه حتى الآن، هو هل قام الخاطفون بالعملية وحدهم، ام انهم تلقوا دعماً من احد داخل الولايات المتحدة؟». يقول غراهام في مقابلة مع «نيويورك تايمز» العام الماضي، مضيفا ان «الموقف الرسمي للحكومة الاميركية هو انهم قاموا بالهجمات وحدهم، لكني اسعى إلى الحصول على اجابة».

ورغم توجيه اصابع الانتقاد إلى الرياض، لا يبدو السيناتور السابق غراهام واثقاً من اتهاماته، وإلا لما ظل يتساءل حتى الآن، ويحاول الاجابة، عن تساؤلاته بعد عقد ونيف من الهجمات.

أما سبب عودة الموضوع الى دائرة الضوء، فلا شك انه سياسي بامتياز، ويرتبط بهوية اللوبيات التي اعادت إحياء الموضوع في الكونغرس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق