الثلاثاء، 3 مايو 2016

المرشحون الرئاسيون الاميركيون يعدون بالعودة الى الصناعة لكسب الاصوات

حسين عبدالحسين - واشنطن

على اثر اكتساحه الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولايات بنلسفانيا وميريلاند وديلاوير وكونيتيكيت ورود آيلاند، وقف المرشح للرئاسة رجل الاعمال دونالد ترامب مزهوا يتحدث عن جولاته الانتخابية في هذه الولايات الواقعة في شمال شرقي الولايات المتحدة، وليقول انه زار مصانعها، ورأى ان الصناعة فيها تراجعت بنسب تتراوح بين خمسين وسبعين في المئة. 

ووعد ترامب انه، في حال بلوغه سدة الرئاسة، سيعيد هذا القطاع الى سابق عهده عن طريق الوقوف في وجه الصين، واغلاق السوق الاميركية الاستهلاكية الضخمة في وجه منتجات الشركات المحلية التي تنقل مصانعها الى خارج الولايات المتحدة لتحقيق ارباح اكثر، ما يحرم العمال الاميركيين الوظائف.

وترامب ليس وحيدا بين المرشحين الاميركيين الرئاسيين ممن يعدون باعادة الصناعة والمصانع، وتاليا الوظائف، الى الولايات المتحدة، فالمرشح الديموقراطي بيرني ساندرز لطالما تحدث عن نيته عدم السماح للوظائف الاميركية بالرحيل الى فيتنام، فيما عبّرت منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عن معارضتها لـ “اتفاقية الشراكة عبر الهادئ”، التي جمعت أميركا و١٢ دولة اخرى في اتفاقية تجارة حرة خلقت بموجبها سوق تساوي ٤٠ في المئة من حجم الاقتصاد العالمي.

والتركيز على اهمية استعادة الصناعة ليس وليد الحملة الانتخابية الحالية، فمنذ منتصف العقد الماضي، يكاد يجمع الاقتصاديون الاميركيون على ان ارتفاع الدين العام الاميركي وتأرجح نمو الناتج المحلي يرتبطان بفقدان الولايات المتحدة لما يسمونه “قاعدتها الصناعية”. وتزامن التراجع الاقتصادي الاميركي في حينه مع الصعود الناري للصين، مدفوعة بصناعاتها، كذلك المانيا، وهو ما دفع الاقتصاديين الاميركيين الى البحث في سبل اعادة أميركا الى سابق عهدها في طليعة الدول الصناعية في العالم.

واصدر في العام ٢٠٠٩ وزير التجارة السابق كلايد بريستويز كتابا حمل عنوان “نهاية البحبوحة”، وقدم فيه مقارنة بين اميركا وامبراطورية روما، وقال انه قبل انهيارها بسنوات، كانت روما تستورد البضائع من العالم بأجمعه، ولا تصدر الا براز الحيوانات الذي يستخدم في الزراعة. وقال بريستويز انه مثل روما، أميركا تستورد كل شيء ولا تصدر الا الخردة، متوقعا انهيار الامبراطورية الاميركية بسبب تحولها الى الاستهلاك من دون صناعة او تصدير، تماما كما حصل لروما قبلها بأكثر من الف عام. 

وانضم لبريستويز في حينه اسماء لامعة مثل المعلق المعروف في “نيويورك تايمز” توماس فريدمان، الذي راح يزور الهند والصين وينشر التقارير والكتب حول الموارد البشرية والصناعية في هذين البلدين، معتبرا ان ايام تفوق أميركا اقتصاديا، وتاليا عسكريا وسياسيا، قد ولّت. واصدر فريدمان، بالاشتراك مع مايكل ماندلباوم الاستاذ في جامعة جونز هوبكنز العريقة كتابا اشارا فيه الى حتمية تراجع الاقتصاد الاميركي بسبب شيخوخة السكان وتضخم الانفاق على رعاية الشيخوخة، الذي من شأنه ان يقضم كل ما تبقى من الموازنة الاميركية. 

وتراجع التمسك الاميركي بنظرية حرية السوق، وأطل المسؤولون الصينيون ليتحدثوا عن نجاح نموذج “اجماع بكين”، وهو مزيج من “يد السوق الخفية ويد الدولة الجلية”، مقابل ما كان يبدو انهيارا تاما “لاجماع واشنطن” حول ضرورة تبني دول العالم للسياسات الليبرالية، خصوصا ابان الازمة المالية الكبيرة في العام ٢٠٠٨. 

الذعر الاميركي من الصين دفع الرئيس باراك أوباما الى تبني عددا من الخطط، بما في ذلك مضاعفة الصادرات الاميركية، فانخرطت الشركات الاميركية في هذا المشروع، وبدأ رئيس شركة “جنرال الكتريك” جيفري ايميلت يقلب شركته العملاقة من شركة صناعية ذات فروع خدمات مالية الى شركة صناعية بالكامل، وحققت مبيعات السيارات الاميركية الشهر الماضي رقما قياسيا في تاريخها.

الا انه على الرغم من عودة أميركا الى طليعة الدول المصدرة، بقيت البطالة مرتفعة في صفوف الاميركيين، خصوصا من اصحاب “الياقات الزرقاء”، اي العاملين في الصناعة، وهو ما دفع ثلاثة من مرشحي الرئاسة الاميركيين الى تبني خطابا شعبويا يعد باعادة الصناعة ووظائفها الى اميركا.

الخبراء الاميركيون، بدورهم، اعترضوا على واقعية طروحات المرشحين الثلاثة الاقتصادية، وقالوا ان التلاعب بالتعرفة الجمركية ولي أذرع الشركات الاميركية من شأنه ان يشعل حربا اقتصادية مع شركاء الولايات المتحدة التجاريين في العالم، وفي طليعتهم كندا والمكسيك والصين والاتحاد الاوروبي. 

لكن خبراء آخرين اعتبروا انه حتى لو نجحت أميركا في اعادة ١٤ مليون وظيفة، هي عدد الوظائف الصناعية في قمتها منتصف الخمسينات، لن يفيد ذلك الاقتصاد الاميركي كثيرا، فالوظائف الصناعية اصبحت في غالبيتها ذات مرتبات منخفضة بسبب تزاحمها مع الروبوتات، وبسبب العرض الصناعي الكبير الذي لا يقالبه طلب مماثل.

وتشير الارقام ان نسبة الوظائف الصناعية بين العاملين الاميركيين انخفضت من ٢٤ في المئة في منتصف الخمسينات الى ٨,٥ في المئة اليوم، فيما انخفضت الوظائف الزراعية — ايضا بسبب الروبوتات — من ٤١ في المئة من العاملين منتصف القرن الماضي الى ٢ في المئة فقط اليوم.

ويعتقد الخبراء الاميركيون انه من غير المجدي خوض حروب اقتصادية من اجل استعادة الصناعة من الصين، في وقت لم تعد الصناعة تجدي الصين نفعا، وفي وقت تحاول بكين الانتقال من نموذج الصناعة والتصدير الى نموذج الخدمات والاستهلاك. ويكرر هؤلاء الخبراء ان الوظائف في الدول الاكثر صناعية، مثل الهند، لم تعد تؤمن حياة كريمة لموظفيها، وهو ما يعرقل نظرية التطور الاقتصادية للدول من دول زراعية الى صناعية الى خدماتية، اذ ان الصناعة في الصين والهند، مثلا، لم تعد على هاتين الدولتين بنفس البحبوحة التي عادت بها على الدول الغربية يوم كانت صناعية.


ان التلويح باعادة اقتصاد أميركا من مرحلة مابعد الصناعة الى مرحلة الصناعة هو تراجع، حسب كثيرين، وهو لا يفي بالغرض المطلوب، اي اعادة أميركا الى سابق عهدها، لكنه لاشك يفي بالغرض للسياسيين الشعبويين ممن يحاولون الحصول على اصوات الناخبين الذين ما زالوا يحلمون بالعودة للعمل في المصانع. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق