الثلاثاء، 3 مايو 2016

«داعش» باقٍ في الموصل كما الأسد في دمشق

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اليوم التالي لتحرير الموصل من سيطرة تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) تحول جدالا يؤخر عملية التحرير نفسها، حسب مصادر اميركية متابعة. ولأن تحرير الموصل سيؤدي في الغالب الى حرب مفتوحة بين الاكراد والسنة والشيعة، ومن خلفهم حلفاؤهم تركيا وايران واميركا وحكومة بغداد، صارت عملية تحرير الموصل تنتظر اتفاقاً يسبق اي هجوم.
والانقسام بين اعداء «داعش» يشبه الانقسام بين اعداء الرئيس السوري بشار الأسد. ولأن اليوم التالي لتحرير الموصل، كاليوم التالي لتحرير دمشق، سيكون عبارة عن المزيد من الحروب، صارت بعض عواصم القرار تعمل على تأخير تحرير الموصل، كما عملت على عرقلة تحرير دمشق.

في الحالة الاميركية، لأن الأسد لا يقلق الاميركيين والغرب عموماً بعمليات إرهابية تنطلق من اراضيه، تحولت عملية تأخير تحرير ثوار سورية لدمشق الى ما يشبه تمسك اميركي ببقاء الأسد حتى التوصّل الى الاتفاق على بديل. وربما لو اوقف «داعش» هجماته ضد اهداف غربية، لتحولت الحرب ضده الى كلامية فحسب، مع السماح له بالإبقاء على سيطرته على محافظتي نينوى العراقية (عاصمتها الموصل) والرقة السورية.

الرئيس باراك أوباما، بدوره، يعتقد ان سيرته الرئاسية سترتبط الى حد كبير بمصير «داعش»، وهو لذلك يعمل منذ العام 2014 على إضعاف التنظيم الى اقصى حد ممكن. وسبق لمسؤولين عسكريين اميركيين ان اعلنوا تعذر القضاء على «داعش» قبل خروج الرئيس الاميركي من الحكم في 20 يناير المقبل، وحددوا تواريخ تدمير التنظيم بعد ذلك التاريخ.

لكن رغم إدراك الادارة الاميركية تعذر القضاء على التنظيم في رئاسة أوباما، تحاول إضعافه الى اقصى حد ممكن، وجعله محاصرا في مدينة او اثنتين، مع قطع طرق الإمداد والتموين عنه.

في سورية، تحاول أميركا ان تدفع المقاتلين الأكراد الى السيطرة على احدى الطرق المؤيدة الى مدينة الرقة من الشمال الشرقي. أما في العراق، فالطموحات الاميركية أكبر، وتقضي بفتح معركة الموصل فور تحرير مدينة الرمادي، الذي تم في ديسمبر الماضي.

لكن استعادة الحكومة العراقية الرمادي لم تساهم في تحسن أداء جيشها ضد «داعش»، فالقوات العراقية انهارت في اكثر من هجوم ضد التنظيم أعقب تحرير الرمادي، والاستعانة بميليشيات موالية لبغداد تضعضع التحالف المطلوب ان يخوض المعركة ضد «داعش» ما يؤدي بدوره الى حرب بين مكونات التحالف نفسه المطلوب ان يقضي على التنظيم ويسترجع الموصل.

هذه المخاوف الاميركية حملها نائب الرئيس جو بايدن الى بغداد، الاسبوع الماضي، في اول زيارة له منذ العام 2011، حيث التقى كبار المسؤولين فيها، تصدرهم رئيس الحكومة حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري.

وفور عودته، نقلت المصادر الاميركية عن بايدن ارتياحه للقاءاته العراقية. كما نقل وعدا من العبادي بالعمل على التوصل الى حلول تجعل الهجوم ضد «داعش» لاستعادة الموصل أمراً في المدى المنظور.

لكن الخبراء الاميركيين يرفضون الرؤية التي نقلتها الادارة عن بغداد، مع تعذر سيطرة العبادي على المنطقة الخضراء في بغداد، والتي اجتاحتها جموع العراقيين السبت.

في الموصل، يرى الخبراء، أن الاكراد يسعون الى الاستيلاء على اكبر رقعة من الاراضي والاحتفاظ بها وضمها الى الدولة التي يأملون إقامتها، ما دفع الاتراك الى العمل على اقامة «جيش النجيفي»، وهو جيش من العراقيين السنّة من محافظة نينوى، يتبعون محافظها أثيل وشقيقه رئيس مجلس النواب السابق أسامة النجيفي.

بدورها، ترعى ايران مجموعتين مقاتلتين، الاولى من «الحشد الشعبي» الشيعية التي تتقاضى مرتباتها من وزارة الداخلية العراقية وتأتمر بأوامر النائب جمال الجراح، المعروف بأبي مهدي المهندس، والوزير السابق هادي العامري. كذلك، يعتقد الخبراء الاميركيون ان ايران ترعى عددا من الفصائل الكردية المنضوية تحت «حزب العمال الكردستاني»، وأنها تستخدم هؤلاء في القتال في نينوى، وكذلك توحي اليهم بشن هجمات داخل تركيا.

أميركا بدورها ترعى مجموعتين مقاتلتين، الاولى تتمثل بالقوات الحكومية العراقية، الاكثر تسليحاً والاضعف اداء، والثانية هي عبارة عن مجموعة من المقاتلين الاكراد، ممن تلجأ اليهم لقتال «داعش»، خصوصاً في الرقة السورية.

ستحاول كل من هذه المجموعات السيطرة على اكبر مساحة من الاراضي فور طرد «داعش» من الموصل، وقد يندلع قتال طويل الأمد بينها، وهو قتال بدأت بوادره تظهر كما حدث خلال المواجهات الكردية - الشيعية في طوزخورماتو.

ولأن الاطراف المشاركة في الهجوم ضد التنظيم يتوجس بعضها من بعض، يعتقد مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى ان الهجوم صار معلقا حتى اشعار آخر، وقد لا يبدأ قبل خريف العام 2017، وهذه فترة طويلة بمقاييس الحرب والسياسة في واشنطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق