السبت، 7 مايو 2016

اين تركيا من حلب؟

حسين عبدالحسين

نقل السناتور الجمهوري ليندسي غراهام عن المسؤولين السعوديين قولهم انهم لن يرسلوا قوات برية الى سوريا للمشاركة في الحرب ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) طالما انهم يعتقدون ان ذلك سيساهم في انتصار الرئيس السوري بشار الأسد وسيطرة ايران على دمشق.

تفادي السعودية ترجيح كفة الأسد وايران في الحرب السورية أمر مفهوم. لكن ليس مفهوما ما الذي يبقي تركيا، التي تعاني من الحرب السورية على امتداد الحدود الطويلة بينهما، خارج سوريا؟ ولماذا لم تنفذ انقرة وعودها المتكررة باقامة حزام أمني داخل الاراضي السورية؟

قد تبدو مجازر الأسد وروسيا وايران في حلب وكأنها مجرد صراع سياسي حول رحيل الأسد عن السلطة، لكن الحرب السورية لم تعد كذلك، على الأقل منذ ٣٠ ايلول (سبتمبر) الماضي، يوم دخلت القوات الروسية رسميا الحرب، فظاهر الحرب بقي سورياً - سورياً، لكن باطنها هو عودة الى الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا.

الولايات المتحدة، بدورها، قد تبدو مستسلمة لصعود روسيا، خصوصا عندما بدا الرئيس باراك أوباما غاضبا يوم اسقطت تركيا مقاتلة روسية عبرت اجواءها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. يومذاك، قال أوباما في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان ان “كل دولة تعرف مصلحتها”، في ما بدا تنصلاً واضحاً من وقوف أميركا و”تحالف الأطلسي” الى جانب تركيا في مواجهة بوتين وعنجهيته.

لكن أميركا المستسلمة في العلن تعيد بناء “الأطلسي” خلف الكواليس، اذ اظهرت موازنة وزارة الدفاع للعام الماضي زيادة في الانفاق الاميركي في منطقة اوروبا الشرقية والشمالية والبلقان بلغت 3،4 مليار دولار، وهو مبلغ مرجح للارتفاع اربعة اضعاف، حسب ارقام موازنة الدفاع للعام المقبل. كذلك، أعلنت واشنطن نيتها تعزيز قواتها المرابطة في اوروبا بارسالها كتيبة مؤلفة من 4500 جندي سينضمون الى 9000 آخرين. 

كذلك رصدت وزارة الدفاع الاميركية مبالغ اضافية لبناء دفاعات ضد الصواريخ الباليستية في اوروبا، ولتعزيز قدراتها التكنولوجية الفضائية وعلى شبكة الانترنت، وارسال مقاتلات ودبابات ستتوزع على دول “تحالف الأطلسي”. وسيكون نصيب تركيا من التعزيزات الاميركية رادارات متطورة على الحدود مع سوريا، ومقاتلات اميركية متطورة في قواعد تركية منها انجرليك.

والشهر المقبل، سيشارك 13 الف جندي اميركي و12 الف جندي من “تحالف الاطلسي” من 24 دولة، منهم تركيا، في اضخم مناورات عسكرية يقيمها التحالف منذ قيامه قبل اكثر من نصف قرن.

هذه الحرب الباردة التي يشرف عليها أوباما قبل خروجه من الحكم هي عكس سياسات أوباما الماضية تجاه روسيا، والتي كانت تتمحور حول “تصفير” المشاكل مع روسيا، وتوقيع معاهدات تقليص اضافية لترسانة الدولتين النوويتين، وتخفيض موازنة القيادة الاوروبية في وزارة الدفاع الاميركية، وتحويل الاموال نحو شرق آسيا. 

ولأن أميركا تبني قدرات المواجهة مع روسيا، ولأن تركيا دولة عضو في “تحالف الأطلسي”، تشكل اي مواجهة مباشرة بين القوات التركية والروسية خطر الانزلاق نحو حرب ساخنة بين أميركا وروسيا، وهو ما تتفاداه أميركا منذ الحرب العالمية الثانية.

الحرب الباردة تعود، وهي في عودتها تخرج سياسة تركيا الدفاعية من حسابات بقاء او رحيل الأسد في سوريا، وتدخلها في حسابات مواجهة عالمية تمتد من القطب الشمالي الى ازقة حلب السورية. 

اما نتيجة هذه الحرب، فهي لن تكون في حلب، ولا في ادلب او دمشق. ما يفوت بوتين هو ان تفوقه العسكري في معارك جورجيا والقرم وشرق اوكرانيا واللاذقية وحلب لن يسمح له الفوز بهذه الحرب، فهذه حرب شكلها عسكري وواقعها اقتصادي، وفيما ترفع واشنطن وموسكو من موازنتيهما الدفاعتين، يتهاوى الاقتصاد الروسي فيما يستمر نظيره الاميركي في طليعة اقتصادات العالم.

ربما لا يتذكر بوتين ان الحرب الباردة الاولى لم تحسمها الجيوش، بل حسمها الاقتصاد، وكذلك سيحسمها الاقتصاد مجددا في الحرب الباردة المقبلة. 

ولأنها حروب باردة، فهي ستأتي على حساب السوريين ودمائهم، تماما كما اسالت الحرب الباردة الماضية دماء مئات الاف اللبنانيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق