الجمعة، 24 يونيو 2016

مخاوف أميركية من الإطاحة بحاكم مصرف لبنان!

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في أغسطس 2012، قال الناطق باسم الحكومة العراقية وقتذاك علي الدباغ لصحيفة «نيويورك تايمز» ان «بغداد لا تريد ان تكسر القوانين الدولية بتجاوزها العقوبات التي كانت مفروضة على ايران بسبب ملف الاخيرة النووي»، لكنه أضاف: «لدينا علاقات جيدة مع ايران لا نريد ان نكسرها كذلك».

بغداد حسمت فيما بعد حيرتها، فاختارت إيران على الالتزام بالقوانين الدولية، وأعلنت حكومة نوري المالكي تهم ارهاب بحق محافظ «البنك المركزي العراقي» سنان الشبيبي، الذي كان يسعى للحفاظ على الارتباط بين العراق والنظام المالي العالمي بفرض التزام العراق بالعقوبات الدولية. واطاح المالكي بالشبيبي، الذي يحل محله اليوم محسن العلاق، وهو سياسي ينتمي لحزب «الدعوة الاسلامية».

منذ أن اختارت بغداد تسييس مصرفها المركزي، ومنذ اختارت علاقتها مع ايران على بقائها في النظام المالي العالمي، بقي قطاعها المصرفي خارج المنظومة الدولية، حسب مسؤولين اميركيين.

الخيار نفسه يواجهه حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة، الذي يخيره الاميركيون بين التزام العقوبات المفروضة على الحكومة الايرانية و«حزب الله» اللبناني لتهم تتعلق بالارهاب، او اخراج النظام المصرفي اللبناني من المنظومة الدولية.

ويرى المسؤولون الاميركيون ان الفارق بين بيروت وبغداد شاسع، فرغم ان الاخيرة كانت جمعت احتياطيا بلغ 60 مليار دولار، مع حلول صيف 2012 بسبب مبيعات النفط وارتفاع سعر النفط عالميا، الا ان الحكومة العراقية اليوم شبه مفلسة، وتحتاج الى سيولة. كما ان البنوك العراقية، وعددها سبعون، بقيت متأخرة عن المنظومة العالمية حتى بعد انهيار نظام صدام حسين، وحتى بعد قيام المجتمع الدولي برفع العقوبات عن بغداد، والغاء معظم الدول الدائنة لديونها التي كانت تطالب بها الحكومة العراقية بعد التغيير الذي طال الاخيرة في العام 2003.

ويقول مسؤولون أميركيون أن «الوضع اللبناني مختلف عن نظيره العراقي، اذ ان القطاع المصرفي اللبناني متطور بالمعايير العالمية، ويتمتع بتاريخ عريق يعود على الاقل الى منتصف القرن الماضي، عندما بدأت رؤوس الاموال العربية تفد البنوك اللبنانية، اما هربا من الانظمة العسكرية والاشتراكية التي وعدت بالتأميم، كمصر وسورية والعراق، او لعدم وجود قطاع مصرفي بديل في الخليج، الذي كانت الاموال النفطية بدأت تتكدس فيه».

ومع انحسار الاموال العربية، على الاقل بسبب قيام مصارف كبيرة في عموم المنطقة وخصوصاً في الخليج، تحول اعتماد المصارف اللبنانية على تحويلات المغتربين اللبنانيين وايداعاتهم للحفاظ على ديناميكية القطاع المصرفي اللبناني والاستمرار بتطويره.

ويوضح المسؤولون الاميركيون انه منذ هجمات 11 سبتمبر، قامت الولايات المتحدة بمجهود كبير أعادت بموجبه تنظيم القطاع المصرفي حول العالم لجعله اكثر شفافية، من ناحية لمنع تبييض الاموال خصوصا بين الارهابيين، ومن ناحية ثانية لملاحقة الاميركيين المتهربين من الضرائب.

ولأن اقتصاد الولايات المتحدة يمثل قرابة 15 في المئة من الاقتصاد العالمي، ولأن الدولار هو العملة الاوسع انتشارا وهو بمثابة النقد العالمي المعتمد، يمكن لواشنطن فرض مجموعة من الشروط تؤدي الى عزل اي حكومة تتخلف عن القوانين الأميركية عن النظام المالي العالمي بشكل عام، وهو ما هددت به واشنطن بيروت في حال لم يمتثل «مصرف لبنان» للقوانين الأميركية، بما في ذلك اغلاق حسابات والتبيلغ عن أي حسابات وهمية او مشتبه فيها تعتقد واشنطن انها مرتبطة بالحكومة الايرانية وخصوصا بمسؤولين في «الحرس الثوري الايراني».

ويقول المسؤولون الاميركيون ان التعاون بين واشنطن وبيروت ليس وليد الساعة، وانه على مدى العقدين الماضيين، زار كبار مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية لبنان بشكل متكرر لمراقبة المصارف اللبنانية، او لإبداء شكاوى لنظرائهم اللبنانيين، او للتحري عن مؤسسات مالية لبنانية او اجنبية، مثل «بنك صادرات ايران» الذي يدير خمسة فروع في عموم لبنان.

ويتابع المسؤولون الاميركيون ان المصرفيين اللبنانيين، وفي طليعتهم رياض سلامة، معروفون بحنكتهم وخبرتهم في القوانين الدولية، وانهم ابدوا تجاوبا على مدى العقدين الماضيين، وهو ما ابقى لبنان خارج دائرة الاستهداف رغم قيام واشنطن باغراق او عزل مؤسسات لبنانية مثل «البنك اللبناني الكندي»، ومؤسسات صيرفة وتحويلات من الحجم المتوسط.

ومع توقيع الرئيس باراك أوباما على قانون مكافحة تمويل «حزب الله» في ديسمبر، صارت الحكومة الأميركية ملزمة تقديم بيانات بتجاوب حكومات العالم بالقانون الجديد، وتقديم تقارير دورية كل ستة اشهر تظهر اي اختراقات قد تقوم بها المصارف المركزية، حتى يقوم الكونغرس بفرض عقوبات اضافية وتاليا فرض المزيد من العزلة على اي مصرف او حكومة لا تلتزم العقوبات على «حزب الله» والعقوبات المتعلقة بالارهاب على ايران.

وقال المسؤولون الاميركيون انه يبدو ان «المتضررين من قانون العقوبات على حزب الله في لبنان قرروا توجيه تهديدات عنيفة لحض المصارف وسلامة على عدم التجاوب مع القوانين الأميركية، وهو ما يضع القطاع المصرفي اللبناني والمصرف المركزي خصوصا امام خيار صعب: اما يحاول المتضررون من قانون عقوبات حزب الله الاطاحة بهم، او تقوم الولايات المتحدة بعزل لبنان عن النظام المالي العالمي».

واضاف: «في حالة العراق، كان ممكنا للمالكي عزل الشبيبي واحالته الى التقاعد. في لبنان، وفي غياب رئيس للجمهورية، وفيما الحكومة معطلة والبرلمان مقفل تصبح الاطاحة بسلامة اداريا متعذرة، وهو ما يطرح مخاوف حول سلامته الشخصية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق