الاثنين، 27 يونيو 2016

الفساد أميركي.. والدماء سوريّة

حسين عبدالحسين

أثناء انتظارنا المشاركة في حلقة تلفزيونية عبر إحدى الفضائيات العربية، تعارفت وسفير أميركي سابق كان يعمل حتى العام ٢٠١٣ في دولة خليجية. أعطاني بطاقته التي تصفه أنه رئيس مجموعة "استشارات" دولية، فناولته بطاقتي، فنظر الي وضحك، قائلاً: "غريب انك لست في المصلحة (بيزنس)". بطاقتي مكتوب عليها اني صحافي، وسعادة السفير السابق استغرب كيف يمكن لخبير في شؤون الشرق الاوسط، يعيش في واشنطن، ان لا يكون في "مصلحة" تقاضي الاموال بدلا "للاستشارات" المعروفة أيضاً باسم "لوبي".

وصديقي السفير السابق هو واحد من مجموعة من السفراء الاميركيين والمسؤولين السابقين ممن خرجوا من الحكومة ليعملوا في "الاستشارات"، وهذه مجموعة تضخمت مؤخرا الى مراحل غير مسبوقة، ومعها تضخم الفساد الذي يختلط فيه المالي بالسياسي.

ومن يتذكر قد يتذكر أن مهندس المصالحة الأميركية مع العقيد الليبي معمر القذافي، في عهد ادارة الرئيس السابق جورج بوش، كان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى دايفيد ويلش، الذي خرج من السلك الديبلوماسي بعد ٢٥ عاماً ليتولى منصب رئيس "قسم اوروبا وافريقيا والشرق الاوسط" في شركة "بكتل" الاميركية للتعهدات، وبمرتب ضخم مع تعويضات كبيرة ومكافآت.

في العام ٢٠٠٨، لم يكد ويلش ينجز المصالحة مع القذافي، حتى حصل على منصبه مع "بكتل"، وحصلت "بكتل" على عقود ضخمة للاعمار من نظام القذافي، ومن غير المستبعد أن يكون السيد ويلش نال نصيبه من العمولة. وفي ما بعد، أظهر ارشيف استخبارات القذافي، على اثر انهيار نظامه، أن نظامه عمد للاتصال بويلش والطلب منه التوسط مع ادارة الرئيس باراك أوباما من اجل عرقلة الحرب الأممية، التي كانت تهدف لوقف مجازر العقيد بحق شعبه.

مثل ويلش والقذافي، يطلّ السفير الاميركي السابق في اسرائيل وروسيا توماس بيكيرينغ، الذي لعب — على مدى السنوات الخمسة الماضية — دور رأس الحرب في الدفاع عن نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، وفي تسويق الديبلوماسية مع الايرانيين وضرورة التوصل لاتفاقية نووية معهم بأي ثمن.

ولطالما قدم بيكيرنغ نفسه على أنه سفير سابق ما زال حريصاً على مصلحة الولايات المتحدة، وتصدر توقيع عرائض تأييد للاتفاقية، ورعى اللوبي الايراني في واشنطن، وشن هجمات ضد معارضي الاتفاقية، وأطل عبر وسائل الاعلام الاميركية المتعددة ليضع "خبرته" أمام الجمهور الأميركي ليقنعه بأهمية الصداقة الاميركية مع ايران، بدلاً من الصداقة الاميركية مع حلفائها العرب في الشرق الاوسط.

لكن ما لم يذكره بيكيرنغ، في إطار تقديم نفسه كأميركي يدافع عن مصالح بلاده، أنه سبق له أن عمل في منصب نائب رئيس لشركة "بوينغ" لصناعة الطائرات المدنية والمقاتلات العسكرية الأميركية. لم يذكر بيكيرنغ، في خضم دفاعه عن تطبيع علاقة أميركا مع إيران، أنه مازال يتقاضى الاموال من "بوينغ" ثمن "استشاراته".

وكما ويلش والقذافي و"بكتل"، كذلك بيكيرنغ وايران و"بوينغ"، فالاتفاقية النووية مع ايران تعدت الشؤون النووية في مسألة وحيدة، هي رفع الحظر عن بيع أميركا لايران قطع غيار طائرات "من اجل سلامة الملاحة الجوية الايرانية". وفي الأيام القليلة الماضية، ظهر أن طهران وقعت عقداً بقيمة ٢٥ مليار دولار من اجل شراء طائرات مدنية من بوينغ، ومن غير المستبعد ان يكون لبيكيرنغ "حلوينة"، حسب العامية المشرقية، على شكل عمولة محترمة.

كل الاحابيل الاميركية عن الحرب على الارهاب في سوريا، وكل التكاذب حول حقوق الاقليات وضرورة التوصل لتسوية سياسية بين النظام السوري ومعارضيه، هي مواقف اميركية مدفوعة الاجر في الغالب، وهذا الاجر هو على شكل عقود ضخمة يقوم بتسويقها مسؤولون اميركيون سابقون ممن أفنوا عمرهم في الخدمة العامة بمرتبات عادية، ويعتقدون أن التقاعد هو سبيلهم للكسب المالي السريع.

السفير السابق نظيري في الحلقة التلفزيونية، والديبلوماسيان السابقان ويلش وبيكيرنغ، هم أسطع دليل على أن السياسة الخارجية الاميركية تسير حسب المصالح، الفردية في الغالب، بدلا من المبادئ، وانه في الحالة السورية المأساوية، فإن الفساد أميركي والدماء سورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق