الأربعاء، 1 يونيو 2016

هل تبحث بريطانيا عن جناح سياسي لجبهة النصرة؟

جريدة الراي

المعلومات حول الشرق الاوسط المتوافرة في العاصمة البريطانية أكثر بكثير مما يمكن للمراقب جمعه في واشنطن، التي دخلت في سباتها العميق السابق لانتخاباتها الرئاسية المقررة في ٨ نوفمبر. صحيح ان وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف تحادثا هاتفيا حول تطورات الازمة السورية في عطلة نهاية الاسبوع، الا ان الحوار الاميركي - الروسي صار خشبيا، ويبدو ان الحوار الفعلي يمرّ عبر عواصم اوروبا والخليج، من قبيل اللقاءات التي عقدتها وزارتي خارجية بريطانيا والسعودية للتباحث في الشأن السوري، كذلك في اللقاءات المتكررة بين لافروف ونظيره السعودي عادل الجبير للبحث في سورية ايضا.

تقول مصادر حكومية بريطانية ان الموضوع الشائك والعالق اليوم في سورية هو كيفية تصنيف تنظيم “جبهة النصرة”، الذي سبق لزعيمه السوري المعروف بابي محمد الجولاني ان بايع زعيم “تنظيم القاعدة” ايمن الظواهري. وتصنف واشنطن كل من النصرة والقاعدة في خانة التنظيمات الارهابية، وتحذو حذو واشنطن عواصم عديدة حول العالم، في طليعتها موسكو ولندن والرياض وبرلين.

لكن مع صعود تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، ومع المواجهات الدموية بين داعش والنصرة، صارت عواصم العالم مجبرة على اتخاذ موقف أكثر تفصيلا من اعتبار كل التنظيمات في خانة ارهابية واحدة.

يقول مسؤول بريطاني رفيع المستوى للـ “الراي” انه “بمجرد “ان يكون التحالف الدولي يوجه ضربات جوية لاهداف داعش في سورية والعراق، وبمجرد ان يطلق مقاتلي النصرة نيرانهم في الاتجاه نفسه ضد داعش، وبمجرد ان يحصر التحالف الدولي ضرباته بداعش من دون غيرها من التنظيمات الارهابية، ذلك يعني ان العالم امام وضع في مواجهة الارهاب يختلف عما كان عليه في العقد الماضي”.

يتابع المسؤول البريطاني القول ان روسيا تستهدف النصرة لاعتقاد موسكو ان التنظيم تابع لانقرة، التي تسمح بمرور السلاح اليه. “وبما ان روسيا تبني جزء لا بأس به من سياستها على العداء ضد تركيا، فهي تعادي النصرة”، حسب المسؤول البريطاني الذي يقول ان “طهران نفسها تميز في عدائها لداعش والنصرة، فالاول يتشكل من ضباط صدام وهؤلاء اعداء دائمين لايران، اما النصرة، فتابعة للقاعدة، والماضي اظهر ان ايران لا تمانع التعاون مع القاعدة او الطالبان لتحقيق اهدافها”.

وكانت تقارير في العاصمة الاميركية اشارت، الاسبوع الماضي، الى ان زعيم تنظيم الطالبان الملا منصور — والذي اغتالته طائرة اميركية من دون طيار — كان يحمل جواز سفر مزور مع تأشيرة دخول الى ايران واختام دخول وخروج منها.

العدو الآخر للقاعدة والنصرة هو الولايات المتحدة، لكن الاخيرة تظهر في الغالب مرونة في التعامل مع المجموعات التي تصنفها ارهابية، فواشنطن مثلا لا تستهدف “حزب الله” اللبناني الذي يشترك في الحرب السورية، على الرغم من وجود الحزب على لائحتها للتنظيمات الارهابية. كذلك، يسبق ان ابدت الولايات المتحدة استعدادا للانخراط مع الطالبان، وشاركت في مفاوضات مع مسؤوليه، ما يعني ان اميركا — حسب المسؤولين البريطانيين — ليست عقائدية في تعاطيها مع المجموعات الارهابية، بل عملانية ويهمها ان تغير من سلوك هذه التنظيمات اكثر من القضاء عليها بالكامل، مع العلم ان واشنطن لا تسامح غالبا المسؤولين عن قتل مواطنيها وتطاردهم اغتيالا او اعتقالا على مدى سنوات وعقود.

تبقى السعودية والامارات، وهما الدولتان الخليجيتان اللتان قادتا حملة لوضع تنظيمات اسلامية على لائحة الارهاب الخليجية. يقول المسؤول البريطاني انه يكمن ان تجري الرياض اعادة نظر في من هو العدو الذي يقوم بتفجيرات ضدها: في الماضي كانت القاعدة، واليوم يبدو ان القاعدة توقفت ليحمل لواء التفجيرات تنظيم داعش.

وكان لبيب النحّاس، الناطق باسم “جبهة احرار الشام” الاسلامية التي يعتقد انها مقربة من السعودية، زار واشنطن مؤخرا لتقديم وجهة نظر الفصيل السوري الثوري الذي يمثله. وشنت وسائل اعلام خليجية حملات ضد زيارة النحاس، معتبرة ان واشنطن تخطأ بتصنيفها مختلفا عن المتطرفين الاسلاميين الآخرين.

ازاحة تنظيم القاعدة عن لوائح التنظيمات الارهابية العالمية، منها لائحة الأمم المتحدة، أمر معقد ويبدو شبه مستحيل، لكن فصل النصرة عن القاعدة، خصوصا ان غالبية مقاتلي النصرة من السوريين، وهي لم تقم بأي اعمال عنف خارج الحدود السورية، قد يسمح بوصف مقاتليها على انهم “متمردين” ضد السلطة المحلية بدلا من “ارهابيين” على مستوى العالم. 

وكانت الولايات المتحدة حددت في الماضي مبادئ قبولها التعاون مع التنظيمات الاسلامية السورية، وفي صدارة الشروط الاميركية نبذ الارهاب العالمي، وعدم الدعوة لاقامة دولة خلافة عالمية او اسلامية. على ان واشنطن لا تمانع تنظيمات اسلامية لا تعمل على اقصاء غير المسلمين عن الحكم او الحكومة.

كذلك، يبدو ان غالبية العواصم المعنية في الشأن السوري تدرك ان المقاتلين السوريين ليسوا ملتزمين بفصيل دون آخر، بل هم يبدون استعدادا دائما للانتقال من فصيل الى آخر، بحسب التمويل والتسليح الذي يمكن للفصيل تقديمه، ما يعني ان الاعتبارات العقائدية ليست في طليعة العوامل المحددة لخيارات المقاتلين، لذا يمكن ابعادهم عن داعش او القاعدة من دون خوض حرب مدمرة.

وفكرة فصل المقاتلين المعتدلين عن لب المجموعات الاسلامية المتطرفة هي سياسة لجأت اليها الولايات المتحدة لفصل سنة غرب العراق عن القاعدة وتنظيمهم في “قوات الصحوات”. كذلك حاولت واشنطن تطبيق السياسة نفسها بالحوار مع الطالبان ومحاولة فصل “المرتزقين” عن “العقائديين”.

يختم المسؤول البريطاني ان النقاش المنعقد حول “جبهة النصرة” في سورية مازال في اشده، وان اي من الدول لم تبد اي تغيير يذكر في مواقفها. لكن من يعرف العواصم العالمية يعلم ان نقاشات شبيهة غالبا ما تسبق نية هذه العواصم مباشرة الحوار مع “الجناح السياسي” لأي مجموهة مصنفة ارهابية، كما حصل في الانفتاح البريطاني على “الجناح السياسي” لحزب الله في العام ٢٠٠٧، وهو انفتاح عارضته واشنطن في حينه. لكن المراقبين يجمعون انه منذ ذلك الوقت، للحكومة الاميركية قنوات اتصال غير مباشر مع الحزب اللبناني. 

فهل تحاول لندن البحث عن “الجناح السياسي” للنصرة للانفتاح عليه، كمقدمة لانخراط — وان غير مباشر — لعواصم اخرى مع التنظيم المذكور؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق