الجمعة، 15 يوليو 2016

حظ سوريا بكيري

حسين عبدالحسين

لم يعد مفهوما ما الذي يفعله وزير الخارجية جون كيري في ديبلوماسيته حول سوريا، فهو يزور موسكو هذا الاسبوع ليستمع منها حول التزامها الهدنة في سوريا، فيما تقوم مقاتلاتها بشن غارات على اريحا في ادلب موقعة عشرات القتلى في صفوف المدنيين.

ولم يعد مفهوما سبب لقاءات كيري مع المسؤولين الروس في وقت أبلغ مسؤول شؤون الشرق الاوسط في “مجلس الأمن القومي” روبرت مالي معارضين سوريين في العاصمة الاميركية ان لا مفاوضات ستنعقد بين المعارضة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد في المدى المنظور.

جلّ ما يفعله كيري هو انه يتصرف كوزير خارجية رديف لروسيا، ففي آخر اطلالاته الاسبوع الماضي، ادلى بتصريحات لطالما حاول الروس تفاديها، اذ قال الوزير الاميركي ان بلاده تنوي مشاركة روسيا معلوماتها الاستخباراتية حول اماكن انتشار المجموعات الارهابية في سوريا، مقابل التزام روسيا والأسد الهدنة.

وكان لافتا في تصريح كيري قوله ان المجموعات الارهابية تشمل، الى تنظيمي “الدولة الاسلامية” (داعش) و“جبهة النصرة”، فصيلي“احرار الشام” و”جيش الاسلام”. والفصيلان لم تضفهما واشنطن الى لائحتها للتنظيمات الارهابية حتى الآن، ما يعني ان تصريح كيري كان بمثابة “اجتهاد شخصي”، ربما بتأثير روسي، وهو ما دفع الناطق باسم وزارة الخارجية جون كيربي الى نفي اقوال معلمه وتأكيد ان أميركا تلتزم بلائحتها الارهابية.

مشكلة كيري تكمن في ثقته المفرطة بنفسه، على الرغم من تواضع حذاقته السياسية والديبلوماسية. وكيري، الذي فاز بترشيح الحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة في العام ٢٠٠٤، ثم انهزم امام احد أقل الرؤساء شعبية في التاريخ الاميركي جورج بوش الابن، كان من اول من تبنوا ترشيح السناتور باراك أوباما في وقت كانت مؤسسة الحزب الديموقراطي تميل تجاه منافسته هيلاري كلينتون.

وكان كيري يأمل ان يختاره أوباما لمنصب نائب رئيس، لكن الاخير ادرك ان من يخسر امام بوش يعاني شعبيا، فآثر أوباما اختيار شخصية شبيهة من “لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ”، التي كان كيري عضوا فيها. هكذا، اختار أوباما رئيس اللجنة جو بايدن، صاحب الخبرة في السياسة الخارجية والمحبوب بين الاميركيين، شريكا له في الترشيح في العام ٢٠٠٨، ووعد كيري بمنصب وزير خارجية.

لكن الاتفاقية التي انسحبت بموجبها كلينتون لمصلحة ترشيح أوباما فرضت كلينتون في منصب وزيرة خارجية، فاكتفى كيري بوراثة منصب بايدن كرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في العام ٢٠٠٨، وراح يتصرف في كثير من الاحيان كوزير خارجية رديف، من قبيل اصراره على رعاية الانفتاح على نظام الأسد وكسر العزلة التي كانت مفروضة عليه منذ اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في العام ٢٠٠٥.

وصدف يوما ان دعا السفير الاسرائيلي كيري الى حفل عشاء، فأصر الاخير على اصطحاب سفير الأسد في واشنطن عماد مصطفى. وكان مصطفى جند اليهود الاميركيين من اصل سوري لتمتين علاقاته مع كبار السياسيين الاميركيين، مثل كيري، ولكسر العزلة التي كانت مفروضة على الأسد.

على ان سفارة اسرائيل رفضت دعوة مصطفى، ولما أصر كيري تحت طائلة تغيبه في حال عدم حضور السفير السوري، اجاب الديبلوماسيون الاسرائيليون: “حضرة السناتور، نحن نود اقامة علاقة طبيعية مع الأسد، لكن في عشاء رسمي، لا يمكننا ان ندعو سفير دولة مازلنا معها في حالة حرب”. وتراجع كيري، وحضر العشاء الاسرائيلي من دون سفير الأسد.

بعد عقود من عمله في مجلس الشيوخ الاميركي، ومع الثروة الكبيرة التي يتمتع بها، كان كيري يأمل في ان يختتم حياته السياسية رئيسا، ولما تعذر فوزه بالانتخابات، سعى لمنصب نائب رئيس، ولما افلت هذا ايضا منه، رضي بوزارة الخارجية، وحتى هذا المنصب الاخير اضطر للانتظار اربع سنوات قبل ان يشغله.

وفي آخر سنوات له في الحياة العامة، اعتقد كيري ان مواهبه ستظهر للعالم، وان حنكته ستحدث اختراقات تغير وجه العالم. لكن طموح كيري في واد، وموهبته الديبلوماسية المتواضعة في واد آخر، فهو بدأ بمحاولة فاشلة لاحداث اختراق فلسطيني - اسرائيلي، ثم توصل لاتفاقية نووية يجمع الاميركيون انها صارت عرجاء جدا وانها لن تمنع تحول ايران الى دولة نووية. ثم جاء الربيع العربي والثورات، ووجد كيري ضالته، فراح يجوب عواصم العالم منصبا نفسه عرابا للحلول التي لم تأت. ثم انتهى به الامر وزيرا رديفا للروس.

بعد رحيل كيري عن الحكم، سيتذكر السوريون انهم الى تخلي معظم العالم عنهم في محنتهم امام دموية قوات الأسد، ابتلوا بوزير خارجية اميركي معجب بنفسه مع قدرات ديبلوماسية متواضعة عمّقت من ازمتهم بدلا من المساهمة في ايجاد حلول لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق