السبت، 2 يوليو 2016

موسكو تأخذ في القرم وتعطي في سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تجاهل ضم القرم مقابل التغافل عن الوضع العسكري المتدهور للأسدفيما انشغلت الأوساط الدولية بالأنباء عن مذكرة تفاهم عسكري أميركية - روسية في سورية، فسّرها البعض على أنها تنازل غربي لمصلحة الرئيس السوري بشّار الأسد، لا تكتمل الصورة الا عند العلم ان الناشطين من شبه جزيرة القرم، والذين يعارضون ضم موسكو لاراضيهم بعدما كانت تابعة للسيادة الاوكرانية، سمعوا على مدى الاسبوعين الماضيين من الجهات الدولية التي تدعمهم نيتها خفض الدعم لنشاطهم بشكل واسع.

الاتفاقية حول سورية والقرم التي تشمل أميركا وتركيا والمانيا، من جهة، وروسيا، من جهة اخرى، تنص على تغافل المجتمع الدولي عن ضم موسكو للقرم، مقابل تغافل روسيا عن الوضع العسكري المتدهور لقوات الأسد، والتي بدت اولى علامات الوهن والتراجع تظهر عليها خلال الاسبوع الماضي.

وعلمت «الراي» من معنيين بشؤون القرم انهم سمعوا من جهات دولية، في طليعتها منظمات عالمية عمدت إلى دعمهم «لبناء الديموقراطية والحكم الرشيد» على مدى السنتين الماضيتين، ان الدعم في طريقه للانحسار. والمعروف ان غالبية القرميين هم من الاثنية التركمانية، وان غالبية الناشطين المعارضين لضم القرم الى روسيا يعيشون في اسطنبول حيث يديرون مكاتب سياسية.

وقال الناشطون القرميون انهم في صدد اقفال عدد كبير من مكاتب نشاطهم، وانهم سيبقون على تمثيل رمزي في بعض عواصم العالم.

ولتأكيد ان اميركا توافق على «تأجيل» البت مع روسيا في قضية القرم «حتى إشعار آخر»، عرضت واشنطن على موسكو رفع التعاون الثنائي العسكري بينهما، وهو تعاون ظاهره سورية وباطنه تعاون اوسع يشمل الحدود التي تفصل روسيا عن «الحلف الأطلسي» في دول شمال وشرق اوروبا.

بدورها، وافقت برلين على تأجيل موضوع القرم في مقابل قبول روسيا خفضها الدعم للانفصاليين شرق اوكرانيا، الذين يطالبون باقامة دولة دونيتسك المستقلة. كذلك، تعمل المانيا منذ فترة، حسبما سبق ان اوردت «الراي»، على اقناع الروس بضرورة خروجهم من الحرب السورية، ووقف دعمهم العسكري للأسد، واقناعه بضرورة وقف غاراته الجوية العشوائية ضد السوريين في مناطق المعارضة. اما مصلحة المانيا في حمل الروس على خفض العنف ضد مناطق المعارضة السورية، فتكمن في رغبة المانية في وقف تدفق اللاجئين السوريين الى اوروبا.

وعلمت «الراي» من مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى ان «برلين لعبت دورا محوريا في التقريب في وجهات النظر بين اميركا وتركيا، من ناحية، وروسيا، من ناحية اخرى».

هكذا، تراجعت روسيا عن دعم الأسد جويا وديبلوماسيا وعسكريا، ودفعت بوزير خارجيتها سيرغي لافروف الى استقبال نظيره التركي مولود جاويش اوفلو في لقاء انعقد تحت الاضواء، فيما كانت طهران تستجدي، في الخفاء، موسكو للاستمرار في القتال في الحرب السورية. وكانت ايران اوفدت رئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني الى روسيا لعقد لقاءات مع كبار المسؤولين الروس وحثهم على المساهمة «في حسم الحرب ضد الارهاب في سورية».

وتراجعت روسيا ايضا عن تسليح الاكراد ودعمهم ضد الاتراك، وهو ما يحرر انقرة من مشكلة ويسمح لها بتركيز اهتمامها العسكري على حدودها الجنوبية ضد التنظيمات الارهابية، وفي طليعتها «الدولة الاسلامية» (داعش).

هل يعني تخلي موسكو عن الأسد انهياره؟، تقول المصادر في العاصمة الاميركية انه «في غياب تدخل خارجي من القوى الكبرى، يصعب الحسم العسكري في سورية»، وانه «حتى بعض القوى الاقليمية مثل ايران غير قادرة على الحسم لمصلحتها ومصلحة الأسد، وهو ما يدفعها على استجداء موسكو».

والحسم في سورية مؤجل، على الأقل في الأشهر الستة المتبقية من زمن حكم الرئيس باراك أوباما. لكن حتى ذلك الحين، يبدو ان العواصم المعنية توصلت الى تسوية هي بمثابة تهدئة، بانتظار تسوية أكثر جذرية ربما تأتي مع رئيس أميركا المقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق