الجمعة، 12 أغسطس 2016

ما بعد بعد حلب

حسين عبدالحسين

في أقل من شهر، تبين ان رئيس تركيا رجب طيب اردوغان أقوى داخليا مما ادعى خصومه حول العالم، وانه لم يستجد نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وان أردوغان لم يتخل عن ثوار سوريا. وفي الاسابيع الاربعة نفسها، تبين ان قوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات المتحالفة معها، والغطاء الجوي الروسي، هي أضعف مما تقدم نفسها، وانها غير قادرة على الحاق الهزيمة بثوار سوريا، او انتراع حلب منهم، او حتى حصارهم. وفي أقل من شهر، ألغى الكرملين بروتوكول اعلان برنامج الرئيس حول رحلاته الداخلية والخارجية، في وقت تواترت التقارير عن اشتداد المعارك السياسية - الامنية في موسكو بين بوتين وخصومه.

وفور شيوع انباء نجاح الثوار في كسر حصار الأسد على حلب، نشر الباحث والاكاديمي الاميركي المؤيد للثورة السورية ستيفن هايدنمان، على صفحته في فايسبوك، رابطاً لندوة سابقة لخبراء في الشأن السوري، أبدع فيها مؤيدو الأسد من الاميركيين، فقدموا حصاره حلب على انه البرهان على قدرته على حسم الحرب السورية لمصلحته، وان لا مفر لواشنطن الا قبول سطوته وتأييده وتأييد موسكو في تحويل الثورة السورية الى حرب ضد المجموعات الارهابية، الحقيقية منها والمتخيلة.

الخبراء الاميركيون ممن خابت تحليلاتهم حول حتمية انتصار الأسد، لم يكونوا وحدهم، ففريق كامل من المحللين العرب في واشنطن والعالم باشروا بعملية تصوير فك الثوار حصار حلب على انه انتصار للاسلام المتطرف والسلفية الجهادية، واستخدموا كل العبارات التي تثير ريبة الغربيين، وادعوا ان عملية كسر حصار حلب كان قررها الثوار في حزيران الماضي، وهو ادعاء يجافي المنطق اذ ان كسر الحصار يتطلب اولا ان يتحقق الحصار نفسه، وهو ما لم يتم الا في شهر تموز. بكلام آخر، حاول مؤيدو الأسد المستترون الايحاء ان نجاح الثوار في فك حصار كان سيؤدي الى تجويع ربع مليون حلبي هو جزء من خطة اسلامية ارهابية متطرفة، وهي خطة قديمة ولديها اهداف مرحلية وطويلة الأمد، وما فك حصار الأسد على حلب الا واحدة من هذه المراحل.

في الزمن الذي يكثر فيه الكلام من دون حساب، لا حياء، بل امعان في الثرثرة. اما الواقع، فيشي بعكس ما قدمه هؤلاء حول قوة الأسد “الانساني” و”حامي الاقليات والغرب” وضعف معارضيه الخبثاء “الارهابيين”. 

لم ينهر اردوغان في تركيا لا تحت ضغط بوتين ولا امام متآمرين محليين، بل اشتد حكمه صلابة واكتسب تأييداً اوسع بين معارضيه قبل مؤيديه. ولم يتخل حلفاء ثوار سوريا عنهم، لا سياسيا ولا ماليا ولاعسكريا، بل آزروهم ووثقوا بهم وساعدوهم على قلب حصارهم انتصارا. 

اما في الضفة المقابلة، فتبين ان الصراع بين بوتين وايغور سيكين رئيس روزنفت، شركة الطاقة الروسية العملاقة والمدير الفعلي لوكالة الأمن الفدرالي الروسي، التي خلفت جهاز “كي جي بي” السوفياتي، هو صراع في أشده، وان الاخير ماض في تعزيز قبضته على القوة الامنية الى حد دفع بوتين في نيسان الماضي الى اقامة جيشه الخاص، وعهد به الى رئيس أمنه الشخصي، حسب تقرير مجموعة ستراتفور الاميركية للاستخبارات الخاصة.

وبسبب خشيته من الانقلابات المحتملة، الغى بوتين اعلانه عن برامج سفره داخل البلاد وخارجها، خوفا من ان تتحول احدى اجازاته خارج موسكو الى اجازة مفتوحة. 

في هذه الاثناء، تشير التقديرات الاميركية ان بوتين تحت ضغط كبير بسبب تكاليف ضرباته الجوية ضد السوريين لمؤازرة الأسد، يترافق ذلك مع امكانية ارتفاع التكلفة البشرية للمستشارين العسكريين الروس المشاركين في الحرب السورية، كما بدا جليا في اسقاط الثوار مروحية روسية فوق جسر الشغور ومقتل خمسة عسكريين روس كانوا على متنها، بينهم ضابطان.

وتقول التقارير الاميركية ان واحدة من ابرز دلالات نجاح الثوار في حلب هو بلوغ مقدرة روسيا على مساندة الأسد ذروتها، ما يعني ان تقدم الثوار من الآن فصاعدا صار مستقلا عن مواقف بوتين او دعمه للأسد.

كسر حصار حلب قلب صورة سوريا. الآن على الأسد وداعميه “إخراج أرنب” من قبعتهم، حسب التعبير الاميركي، او القبول باستحالة حسمهم الحرب او انهائها حسب شروطهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق