السبت، 10 سبتمبر 2016

بوتين إشترى بقاء الأسد وسلبه نصف البلاد

حسين عبدالحسين

بعد سنوات على مطالباته المتكررة للمجتمع الدولي، وخصوصاً للولايات المتحدة، نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إشراك نظيره السوري بشار الأسد في التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، وهو ما يبدو أنه اعتراف أميركي بشرعية الأسد، واستعداد للتواصل معه، وقبول بقائه في الحكم. لكن هذا هو ظاهر الأمر فحسب.

الرئيس الراحل حافظ الأسد كان أول من استنبط لسوريا دور الخدمات الأمنية التي تقدمها للدول، وفي طليعتها اسرائيل: هضبة الجولان السوري المحتل منضبطة طالما أن الأسد في الحكم. بعض الفصائل الفلسطينية منضبطة طالما أن العالم يقف على خاطر الأسد، ويلبي مطالبه في سوريا ولبنان. كارلوس (ايليتش راميريز سانشيز) وقع بأيدي الفرنسيين بعد خدمة جليلة قدمها الأسد الأب لهم، وهكذا..


وفي الايام التي كان الغربيون يتأخرون في تلبية مطالب الأسد، كانت "المجموعات الثورية" تستأنف نشاطاتها.


الولد بشار لا يظهر أنه سر أبيه، لا في موازنة العرب في وجه العجم، ولا في فهمه لكيفية تقديم سوريا كمتعهد خدمات امنية لعواصم القرار.


يوم اندلعت الثورة السورية في العام ٢٠١١، سارع الأسد الى شبك عملياته العنفية ضد السوريين مع الحرب الأممية ضد الارهاب. أسبغ بشار الأسد وصف ارهابيين على كل المطالبين برحيله عن الحكم، حتى ان التلفزيون السوري راح يهندس، مباشرة على الهواء، مسرح الجريمة الذي كان يفترض انه تعرض لتفجير إرهابي.


لم يبتلع العالم دموية الأسد أو وصفه للسوريين، بمن فيهم الاطفال والمسنون، بالارهابيين، وطالب الأسد بوقف مجازره وتسليم الحكم. بوتين، الذي سبق أن قضى على معارضيه، بما في ذلك أقاليم بأكملها مثلما حصل في الشيشان، تحت عنوان الحرب العالمية على الارهاب، كان وحده الذي أعلن قبول رواية الأسد حول حربه على الارهاب داخل سوريا.


وبينما يبدو أن بوتين مازال متمسكاً بموقفه، بل إنه سيشرك الأسد في غرفة العمليات الاميركية - الروسية المشتركة المزمع اقامتها لادارة الحرب ضد المجموعات الارهابية داخل سوريا، إلا أن انقلاباً رئيسياً جرى في موقف الرئيس الروسي؛ ففي سنوات حرب الأسد الأولى على السوريين، كرر بوتين دعوة العالم لاحترام سيادة الحكومة السورية في حربها ضد الارهاب على اراضيها، واستخدم بوتين "احترام السيادة" ذريعة لإقفال روسيا لمجلس الأمن الدولي أمام أي تحرك ضد الأسد.


لكن مع دخول الاتفاقية الاميركية - الروسية حيز التنفيذ، الاثنين المقبل، يخسر الأسد سيادته، ويصبح شريكاً للتحالف الدولي، الذي يحدد من هم الارهابيين، وكيفية الحرب عليهم، وأهداف هذه الحرب، أي إن الأسد يخسر المقدرة على تحديد من هم الارهابيين داخل سوريا وكيفية التعامل معهم، ما يعني انه يخسر المقدرة على اخفاء المعارضة لبقائه في الحكم خلف ستار الارهاب، ويخسر المقدرة على ضرب معارضيه بحجة الحرب على الارهاب.


مع دخول الاتفاقية الاميركية-الروسية حيز التنفيذ، يخسر الأسد آخر الأدوار التي استنبطها حافظ لنظامه، والتي كانت تتضمن اللعب على الحبلين بين العرب وايران، وضبط الحدود السورية واللبنانية مع اسرائيل، وتقديم خدمات أمنية لدول العالم، ويتحول من رئيس سوريا الى مجرد قائد لواحدة من المجموعات السورية المحلية المتعددة، المشاركة في التحالف الدولي ضد المجموعات التي تعتبرها أميركا وروسيا إرهابية، ويصبح الأسد مثله مثل "قوات سوريا الديموقراطية"، أو الجيش السوري الحر، أو الفصائل الاخرى التي ستؤازر المقاتلات الدولية في حربها ضد الارهاب.


كما ستجبر الاتفاقية الأسد على التوقف عن ضرب معارضيه، أو محاولة استعادة الاراضي التي يسيطرون عليها، بل إن أميركا وروسيا ستحددان المناطق المسموح للقوة الجوية التابعة للأسد التحليق فوقها، وهي في الغالب ستنحصر في المناطق التي تسيطر قواته عليها.


بوتين انتزع اعتراف العالم بالأسد كشريك في الحرب ضد الارهاب، ولكنه انتزع من الأسد في الوقت نفسه حصريته في السيادة على سوريا، ما يعني أن الأسد اشترى بقاءه بتخليه عن نصف البلاد، وما يعني أن أي تسوية تعيد لم الشمل السوري ستتطلب استبداله بمن يلقى قبولاً في كل سوريا، لا في نصفها الموالي لآل الأسد فحسب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق