السبت، 24 سبتمبر 2016

ديموقراطية أميركا في خطر

حسين عبدالحسين

ما لم تسحق المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون منافسها الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات المقررة بعد اربعين يوما، بشكل يوجه ضربة قاضية للحركة الشعبية العنصرية التي حملته الى اعتاب البيت الابيض، تواجه الديموقراطية الاميركية خطرا جديا قد يغرقها في فاشية مدقعة تؤذيها، وقد تؤذي العالم من حولها.

الانتخابات الرئاسية المقررة في ٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ليست بين يسار ديموقراطي ويمين جمهوري، بل هي معركة حول النظام الاميركي نفسه، هي معركة بين سكان المدن المؤلفين من خليط عرقي وديني ممن انخرطوا في العالم والعولمة، وسكان الارياف ذوي الغالبية البيضاء ممن انتزعت العولمة منهم اعمالهم في المصانع التي هجرت اميركا الى آسيا.

لطالما تباهى الاميركيون بديموقراطيتهم التي تعيش منذ اكثر من قرنين من دون انقطاع، وعزوا نجاح نظامهم الى دستورهم الذي سنّه “الآباء المؤسسون”. وهؤلاء الآباء لم يتصوروا الديموقراطية على قياس الشعب، بل على قياسهم هم: النخبة من الرجال الاوروبيين البيض المسيحيين، من دون النساء والعبيد والاعراق الاخرى او الاديان. صنعوا الديموقراطية على قياسهم، واستعانوا باثرياء العالم الجديد من بينهم لينتزعوا القارة من فم الملكية الاوروبية ويستقلوا عنها.

هكذا انتصرت ديموقراطية اميركا ورأسماليتها على الملكية الاوروبية، وخلقت طبقة وسطى مازالت الاكبر في العالم، لا لأن النخبة الاميركية تعطف على الفقراء، بل لأن مصالحها التجارية ومصانعها احتاجت الى عمال وكفاءات، فنشرت الرأسمالية العلم والتعليم. ولما انتشر العلم، انقلب المتعلمون على الاحتكاريين، فكانت الحرب الاهلية، ووسع المتعلمون الديموقراطية بالغاء العبودية، ثم اشراك النساء، وسنوا قوانين الضرائب التي مولت حكومة اميركية “ من الشعب وللشعب”، حسب التعبير الشهير للرئيس ابراهم لينكون.

ومع المد الشيوعي حول العالم، وجد رأس المال مخبأ أميناً في الولايات المتحدة، فاستمر في تمويل بحبوحتها، الى ان انتهت الحرب الباردة، وتبين انه يمكن لرأس المال ان يجني ارباحه خارج أميركا والغرب، مثل في الصين وروسيا. هكذا، هجر رأس المال أميركا، بل انه قلب رأي الغالبية الشعبية ضد الحكومة الاميركية لحملها على الغاء الضرائب على الاغنياء وكبرى الشركات. واستند الاغنياء الى الدين لتطويع الغالبية ضد مبادىء المساواة والضرائب التقدمية والبرامج الاجتماعية، كما في عصر الرئيس الراحل رونالد ريغان، فراح الاقتصاد ينمو فيما الارياف تزداد فقرا، كما في “حزام الصدأ”، اي ولايات الوسط الغربي، الداعمة الاكبر لترامب اليوم.

على ان المفارقة تكمن في ان اصحاب رأس المال نهبوا أميركا وافقروها، وفي نفس الوقت سلّطوا غضب من افقروهم ضد حكومتهم، التي تحميهم من اصحاب رأس المال اصلا. مثلا، ظهر في حملة 2008 الرئاسية مواطن يميني جمهوري اسمه جو ويعمل سمكريا، وتصدر الحملة آنذاك ضد قانون الرعاية الصحية المجانية للفقراء، واتضح في ما بعد انه كان غير قادر على تحمل تكاليف ضمان صحي لنفسه. ذاك السمكري كان المثال الاوضح عن المواطنين في الديموقراطيات الذين يعملون بشراسة ضد مصالحهم بسبب غرقهم في جهلهم.

طبعا لم يصمم الآباء المؤسسون ديموقراطية أميركا للبلهاء مثل جو السمكري، الذي اصبح وامثاله اليوم من الاكثرية التي تدفع ترامب قدما. لا يلاحظ السمكري وجماعته ان ترامب يسعى للقضاء على ما تبقى من حكومة الشعب التي اقامها لينكون، فترامب يريد طرد القيادة العسكرية، ويعتقد ان جهاز الاف بي آي ضعيف ويحتاج الى تطهير، ويعتقد ان كلينتون ووزير الدفاع السابق الجمهوري روبرت غايتس — الذي انتقده بشدة في مقال ودعا لعدم انتخابه — يعانيان من امراض عقلية. كما يعتقد ترامب ان على أميركا الخروج من “تحالف الاطلسي” والتخلي عن حلفائها حول العالم، ويعلن صراحة نيته تشكيل محاكم تمييز عنصري ضد غير البيض.

في هذه الاثناء، أطلّت المجموعات العنصرية الى العلن، فعقد النازيون الجدد لقاء صحافياً في واشنطن تحدثوا فيه عن الفارق في “نسبة الذكاء” بين الاعراق، وقدموا خططهم السياسية، فيما وزعت جمعية “كو كوكس كلان” الارهابية البيضاء المحظورة منشورات في عموم البلاد تدعو فيها لتجنيد اعضاء جدد.

وصول ترامب الى الرئاسة ليس دعابة، بل هو امر مرعب للغاية. حتى خسارته الانتخابات بفارق ضئيل لا يكفي للقضاء على الحركة العنصرية التي ركبها للوصول، بل المطلوب خسارة مدوية له تعيد الروح الى ما تبقى من الحزب الجمهوري لاستعادة اليمين من ايدي الاميركيين النازيين الصاعدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق