الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

هزيمة الأسد في داريا والمعضمية

حسين عبدالحسين

المقالة المطولة التي نشرها الصديق توبياس شنايدر عن العفن الذي أصاب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وانتشرت كالنار في الهشيم في الاوساط المؤيدة والمعارضة للأسد، قدمت للطرفين فرصة للطعن بصحتها، إذ كيف يمكن لنظام شبه منهار -كما يزعم شنايدر- أن يحقق نجاحات على الأرض، كما ظهر في انتزاعه ضاحيتي دمشق، داريا والمعضمية، بعد اتفاق قضى بخروج المقاتلين المعارضين والمدنيين بأمان؟

شنايدر يصرّ على الفصل بين النجاحات على الأرض، وبين من يقف خلف هذه النجاحات، فدراسته تمحورت حول المناطق البعيدة عن دمشق، والتي يعتقد الكاتب انها لم تعد تحت سيطرة الأسد، بل هي في عهدة ميليشيات وعصابات يتزعمها امراء حرب، يدينون بالولاء شكلياً للأسد، لكنهم فعلياً يجنون أرباحاً طائلة من اعمال البلطجة التي يقومون بها، ومن الحصارات التي يفرضونها على مناطق المعارضة و"داعش"، ومن بيع النفط والسلاح لكل الاطراف المتقاتلة، بما فيها "داعش". كما يؤدي غالباً الصراع على السيطرة الى حروب بين ميليشيات الشبيحة المؤيدة للنظام، مثل المواجهة بين "قوات النمور" بزعامة سهيل الحسن، و"صقور الصحراء" بقيادة الاخوين محمد وأيمن جابر.


عنصر ثان لم يتوسع به شنايدر في دراسته، ولكنه حدثني عنه، يتمثل بالميليشات الموالية لايران، فهذه اكثر نظامية من جيش الأسد وميليشياته، وهي غالباً ما تواجهت مع قوات الأسد لوقف قيام الأخيرة ببيع نفط أو أسلحة لمقاتلي المعارضة.


والمناطق التي تسيطر عليها ميليشيات طهران، تخرج عن سيطرة الأسد الى غير رجعة، حتى لو بدت، شكلياً، وكأنها انتصار له أو لتحالفه. حتى أن السباق على النفوذ بين الأسد وايران بلغ اوجه، إذ تسعى الاخيرة الى تدريب وتمويل ميليشيات من العلويين انفسهم يدينون بالولاء لها من دون الأسد، وهذه ميليشيات تقوض من سيادة الأسد واستقلاله في قراراته على المديين المتوسط والطويل.


ومع أن انتزاع تحالف الأسد لداريا والمعضمية، برعاية الأمم المتحدة، بدا وكأنه انتصار له، إلا أنه فعلياً شكل نهاية لمصادر الاموال التي كانت تعتاش منها بعض ميليشيات الشبيحة، بما فيها الميليشيات التابعة لآل مخلوف، ابناء خال الأسد، والتي كانت تتسلم اموالا من الأمم المتحدة تزعم انها لمساعدة السوريين المحاصرين والمنكوبين، ولكنها اموال كانت تذهب فعليا الى جيوب آل مخلوف وتساهم في تمويل ميليشياتهم.


حول مصير داريا، جرت المفاوضات بين نظام الأسد ومعارضيه عبر الأمم المتحدة، الا ان السيطرة العسكرية على الأرض، والتي تلت انسحاب المعارضين، آلت للميليشيات اللبنانية والعراقية والافغانية والايرانية المتمركزة في دمشق.


ويعتقد الايرانيون ان مقاماً دينياً شيعياً مهما موجود في ضاحية دمشق هذه، وهم -كما يسيطرون على ضاحية السيدة زينب ومقامها- سيبسطون سيطرتهم المطلقة على داريا، وربما يعملون على اعادة اعمار المقام والمناطق المحيطة به، وتأهليها، حتى تعود قادرة على استيعاب الحجاج الشيعة من حول العالم.


استعادة داريا والمعضمية لم تأت في سياق فوز الأسد على معارضيه، بل ضمن عملية التطهير العرقي الذي تقوم به ايران الشيعية في مناطق سنية، وتسعى من خلاله لخلق ممر شيعي يمتد من مشهد الى بيروت، مع ما يتخلل ذلك من السيطرة على مقامات شيعية مقدسة، قديمة او مستحدثة.


والنظر لانتصار الأسد في داريا والمعضمية يشبه النظرة لانتصاره في مناطق سورية اخرى، بعيدة اكثر عن دمشق، مثل تدمر، او حتى في الجيب العلوي شمال غرب البلاد، إذ إن الانتصار يكون عادة باسم النظام، ولكنه فعليا لمصلحة ميليشيات تكون إما مستقلة وتبغي الربح المادي، أو تابعة لايران وتسعى لبسط نفوذ عقائدي وسياسي على المدى الطويل.


هكذا تبدو خسارة المعارضة لداريا والمعضمية انتصاراً للأسد، لكنها فعلياً انتصار للميليشيات المتحالفة معه من دونه، على حساب سيادته ومقدرة جيشه على بسط نفوذه على الاراضي السورية، وهو ما يعني ان شنايدر يتمسك برأيه القائل إن الدولة السورية تحللت منذ زمن، وإن الانتصارات الشكلية التي تحققها هي تأكيد لموت هذه الدولة، وهي التي يبني المجتمع الدولي آماله على قيادتها للحل السياسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق