السبت، 3 سبتمبر 2016

النمو الاقتصادي الأميركي ما زال متأرجحاً

واشنطن - حسين عبدالحسين

أكدت أربعة تقارير اقتصادية صدرت الأسبوع الماضي، أن النمو الاقتصادي الأميركي ما زال متأرجحاً. وأشار تقرير صادر عن وزارة التجارة، إلى ارتفاع في مداخيل الأميركيين في تموز (يوليو)، فيما أظهرت بيانات مبيعات السيارات الأميركية للشهر الماضي، انخفاضاً طفيفاً كان متوقعاً. أما ما لم يكن في الحسبان، فجاء في تقرير معهد «سابلاي مانجمنت»، الذي أشار إلى انكماش في إنتاج المصانع الأميركية خلال آب (أغسطس).

وختمت وزارة العمل سلسلة التقارير، فأظهرت بيانات الوظائف الشهرية أن الاقتصاد أوجد 151 ألف وظيفة الشهر الماضي، وهو رقم لم يبلغ عتبة 200 ألف وظيفة التي يعتبرها الخبراء مؤشر قوة، لكنه في الوقت نفسه جاء أفضل من توقعات المراقبين. وبقيت نسبة البطالة على حالها بواقع 4.9 في المئة، فيما ارتفع عدد العاطلين من العمل إلى ما دون ثمانية ملايين أميركي بقليل. وأظهرت البيانات أن النسبة الأكبر في الوظائف جاءت في قطاع السياحة، بسبب الصيف، وهو ما يشي بأنها في معظمها وظائف موسمية موقتة.

وفي وقت أدى تقرير ارتفاع المداخيل إلى ارتفاع في أسعار الأسهم المالية، ودفع المراقبين إلى الحديث عن إمكان رفع مجلس الاحتياط الفيديرالي أسعار الفائدة، ساهم تقريرا تراجع مبيعات السيارات وانكماش الصناعة في انخفاض الأسواق المالية، بالترافق مع حديث معاكس عن احتمال تأجيل المصرف المركزي الرفع المنتظر لأسعار الفائدة.

وأظهر تقرير وزارة التجارة أن مداخيل الأميركيين ارتفعت بواقع 0.3 في المئة في تموز، كما عدّل من معدل ارتفاع مداخيل الأميركيين في حزيران (يونيو) من 0.4 إلى 0.5 في المئة. ونسب النمو هذه، على رغم إيجابيتها، لا تقترب من النسبة التي سجلها الربع الثاني من هذا العام، إذ بلغ نمو المداخيل 4.4 في المئة، وهي نسبة كانت الأعلى منذ العام 2014.

وقدمت مصانع السيارات الأميركية بياناتها التي أظهرت وفق ما كان متوقعاً، انخفاضاً في نسب المبيعات، بلغ 5.2 في المئة لدى «جنرال موتورز»، و8.4 في المئة لدى شركة «فورد». وتوقع بيان «جنرال موتورز» انخفاضاً في إجمالي مبيعات السيارات الأميركية لهذا العام إلى 17.3 مليون سيارة، بعدما بلغ 17.5 مليون العام الماضي. على أن البيان اعتبر أن التراجع في المبيعات طفيف، وأن المبيعات ما زالت مرتفعة، وبعيدة من الانهيار الذي سجلته أثناء الركود الكبير في 2008 و2009.

على أن المفاجأة الأكبر جاءت من معهد «سابلاي مانجمنت»، الذي أظهر تقريره انخفاضاً للصناعة الشهر الماضي إلى 49.4 في المئة، من 52.6 في المئة في تموز (يوليو)، وهو الانخفاض الأول منذ خمسة أشهر. ووفق التقرير، فإن أي انخفاض ما دون ٥٠ نقطة يعتبر في مثابة انكماش.

التقارير الأربعة المتضاربة كلها سلطت الأضواء على مجلس الاحتياط الفيديرالي، وتوقيت الخطوة التي ينتظرها كثر، أي رفع الفائدة. وفيما تستبعد غالبية الخبراء قيام المصرف المركزي بذلك، لا بسبب الأوضاع داخل أميركا، بل لتفادي رفع سعر الدولار في وقت تعاني الصادرات الأميركية بسبب انكماش الأسواق العالمية.

على أن القيمين على المجلس يكررون أن الاقتصاد الأميركي في وضع جيد نسبياً، وأن استمرار الأوضاع على ما هي عليه تجعل من رفع الفائدة احتمالية قائمة جداً. وعلى رغم تسجيل الناتج المحلي الأميركي نمواً ضعيفاً بلغ 1.1 في المئة الفصل الماضي، ما زال «مصرف أتلانتا»، العضو في مجلس الاحتياط الفيديرالي، يتوقع نمواً مرتفعاً يصل الى 3.4 في المئة في الفصل الثالث من هذا العام، وهذا إن حصل، يضع الولايات المتحدة في صدارة الاقتصادات الكبرى لجهة أدائها الاقتصادي القوي، في ظل تباطؤ عالمي يطاول حتى الدول النامية، مثل نيجيريا النفطية، للمرة الأولى منذ عقد.

وفيما تكافح أوروبا واليابان والصين لإنعاش اقتصاداتها، يبدو أن ثلاثة عوامل تدفع الاقتصاد الأميركي إلى تسجيل نموه الاقتصادي، الذي يبدو خجولاً أحياناً، لكنه كاف ليجعل الولايات المتحدة الوحيدة من بين الاقتصادات الكبرى التي تسجّل نمواً من دون سياسات تحفيزية من الحكومة أو مجلس الاحتياط الفيديرالي.

وخلف النمو الاقتصادي الأميركي تدني في نسبة البطالة إلى ما دون خمسة في المئة. ووفق قانون العرض والطلب، ولأن كمية العاملين المتوافرين تتناقص، ترتفع الرواتب، وهو ارتفاع يترافق مع ارتفاع في سوق الأسهم بسبب هروب رؤوس الأموال من الأسواق العالمية المتهالكة ولجوئها إلى الولايات المتحدة.

وارتفاع أسعار الأسهم يعني ارتفاعاً في قيمة ثروات الأميركيين، وهو ما يدفع بدوره أسعار العقارات السكنية. أما ارتفاع أسعار المنازل، فيسمح للعائلات باستدانة أكبر باستخدام منازلهم ضمانة مصرفية. ارتفاع الرواتب وأسعار الأسهم وقيمة المنازل، وانخفاض أسعار الطاقة، كلّها وضعت في أيدي المستهلكين الأميركيين أموالاً أكثر، فانعكس ذلك إيجاباً على بيانات النمو في معظم القطاعات الأخرى.

لكن استمرار أميركا وحدها في النمو عالمياً قد لا يكون مؤشراً إيجابياً، بل دليل نمو فقاعة بسبب لجوء رؤوس الأموال إليها، وهي فقاعة شبيهة بالتي سبقت الركود الكبير الذي اندلع في أيلول (سبتمبر) 2008، إذ استمرت منتجات مصانع العالم وأمواله في التدفق نحو سوق الولايات المتحدة ومصارفها وعقاراتها، فرفعت من أسعارها في شكل لا يعكس قيمتها الفعلية. وعندما بدأت السوق عملية «تصحيح» أسعارها، انهارت الفقاعة والرهانات على قوة السوق الأميركية، وهو انهيار تتحسب الحكومة الأميركية ومجلس الاحتياط على مدى السنوات الست الماضية من تكراره، وتأمل بأن يكون النمو الأميركي الحالي نمواً طبيعياً، وإن خجولاً، بدلاً من أن يكون نمواً كبيراً، وإنما وهمياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق