الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

أوباما يغادر البيت الأبيض وفي جعبته تأخير بلوغ الصين موقع الاقتصاد الأول

واشنطن - حسين عبد الحسين

في الشهر الذي سبق انتخاب السناتور باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة عام 2008، كان الأميركيون يغرقون في إحباط عميق وانعدام ثقة. الناتج المحلي ذاك العام تقلص بواقع 0.3 في المئة، وسط أزمة مالية حادة، وشركات مفلسة، ومواطنين خسروا منازلهم.

وبينما كانت أميركا تتقهقر اقتصادياً، سجل الناتج المحلي الصيني نمواً بلغ 9.8 في المئة عامذاك، وتوالت الجداول الاقتصادية التي أكدت انتزاع الصين المركز الأول من أميركا في حقول متعددة، كان أولها تصدر الصين دول العالم في استيراد الفولاذ، ثم تحولها إلى أكبر دولة مصدرة في المعمورة، وترافق ذلك مع تحقيقها ارتفاعاً مطرداً في مداخيل سكانها، وتباهي الحكومة الصينية بفائض في خزينتها كاد يبلغ أربعة تريليونات دولار.

وفور وصول أوباما إلى البيت الأبيض، بدا الرئيس الجديد صاحب رؤية، لكنها كانت رؤية متوسطة الأمد وتحتاج بعض الوقت، فيما كانت أميركا غارقة في أزمتها الاقتصادية، ما دفع الرئيس إلى تركيز جهوده على محاولة تحديد «قعر» يقف الانهيار الاقتصادي عنده، كخطوة أولى قبل إعادته إلى النمو وإعادة الولايات المتحدة إلى قوتها الاقتصادية.

ومن يتذكر سنيّ أوباما الأولى في حكمه، قد يتذكر ان سياساته الاقتصادية كانت تتمحور حول «اللحاق» بالصين، لناحية إنتاج الطاقة النظيفة، وصناعة البطاريات الصناعية وألواح تخزين الطاقة الشمسية. كما سعى أوباما إلى تحديث أسطول السيارات الأميركي، فقدم حوافز للمواطنين لاستبدال سياراتهم القديمة بأخرى حديثة من الأنواع التي تسير المسافات نفسها بكمية وقود أقل.

وعلى رغم جهود أوباما، استغرقت الأوساط الأميركية سنتين على الأقل للتخلص من شبح «لحاق» الصين بالولايات المتحدة، أو حتى تفوقها على أميركا وتحولها إلى القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وهو ما كان من شأنه ان ينعكس على قوة الصين في المجالات الأخرى، وفي طليعتها العسكرية والسياسية والديبلوماسية.

على أن القلق الأميركي من صعود الصين تبعه ارتياح، فبحلول عام 2009، عاد اقتصاد الولايات المتحدة للنمو مجدداً، وهو نمو مستمر منذ ذلك التاريخ، وإن بنسب متفاوتة بلغ معدلها الإجمالي نحو اثنين في المئة. وتعزز الارتياح الأميركي لأن الولايات المتحدة تكاد تنفرد بنمو الناتج المحلي، فيما تعاني كبرى اقتصادات العالم بما فيها الصين تباطؤاً.

وفي الشهر الذي يسبق انتخاب خلف لأوباما مع إتمامه ولايتيه الرئاسيتين، تكاد تنقلب الصورة في ذهن الأميركيين، فأميركا تنمو، وإن بخجل، ومعدل البطالة فيها انخفض إلى ما دون خمسة في المئة، ومنذ العام 2014 خرج 3.5 مليون أميركي من الفقر، فيما المداخيل الأميركية في ارتفاع مطرد للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.

ومن يراقب الحركة الاقتصادية الأميركية قد يلاحظ ان الولايات المتحدة حافظت على صدارتها العالمية في الابتكارات، وفي جودة جامعاتها وبحوثها، فيما اقتصاد الصين بدأ يتراجع قبل ان يقترب من مراحل الابتكار والبحوث. وفيما تستعد أميركا لقلب 230 مليون آلية من عاملة بالوقود إلى آليات كهربائية وهجينة، تتسارع البحوث لتطوير سيارات من دون سائق، ويعتقد الخبراء بأن انتشار هذا النوع من السيارات صار مسألة وقت، وهذا دفع كبرى شركات السيارات إلى الانخراط في السباق أملاً في الانقضاض على السوق الأميركية الكبيرة فور بدء انتشاره.

ومع تسارع استقلالية أميركا الاقتصادية عن اعتماد الطاقة التقليدية، وهو اعتماد لطالما أقلق الأميركيين على مدى العقدين الماضيين، تقلص العجز التجاري، وساهم في تعزيز ثقة الأميركيين في مستقبلهم اقتصادياً.

وتترافق الثقة الأميركية مع تذبذب صيني، إذ صارت غالبية الخبراء تعتقد بأن الصين غير قادرة على إنهاء إدمان نمو اقتصادها على الاستثمارات، وتحويله إلى اقتصاد متنوع يعتمد الاستثمارات كما الاستهلاك والخدمات.

وفيما تتباهى بكين بأنها تحقق نسب النمو التي حددتها حكومتها، يعتقد الاقتصاديون انه نمو على الطراز القديم، أي يدفعه دين يمول مشاريع في البنية التحتية وفقاعة عقارية. أما القطاعات الأخرى، مثل الاستهلاك، فهي تشهد ضموراً، نظراً على الأقل إلى واردات الصين، التي تراجعت 13 في المئة في تموز (يوليو) الماضي.

ويقول الاقتصادي ويليام ويلسون إن النمو الصيني تراجع من 14.2 في المئة عام 2007 إلى 5.9 في المئة العام الماضي. وحتى النسبة التي تقدمها الحكومة، قد تكون على الأرجح غير صحيحة لأنها تصدر بعد أسبوعين فقط من نهاية الفصل الاقتصادي، الذي يغطي نشاط 1.35 بليون صيني. ويبلغ دين الشركات الحكومية الصينية وحكومات المقاطعات نحو 300 في المئة من الناتج المحلي في البلاد، وهي نسبة تثير القلق من إمكانية انهيار اقتصادي مفاجئ.

وبسبب ثقته في اقتصاد بلاده برئاسته، كتب أوباما مقالاً مطولاً في مجلة «ايكونوميست» قدم فيه إنجازات إدارته اقتصادياً، ودعا الإدارة المقبلة إلى البناء على ما جرى إنجازه، معتبراً أنه على مدى السنوات الثمانية الماضية، نجح في زيادة مداخيل الـ 20 في المئة من الأميركيين الأقل دخلاً بواقع 18 في المئة، وأن على الحكومة المقبلة المثابرة على تقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء كعامل رئيس في دفع النمو الاقتصادي قدماً، والحفاظ على التجارة الدولية وتوسيعها، لأنها تساهم في إثراء الأميركيين. ودعا أوباما إلى تقديم برامج تدريبية تبقي الأميركيين مستعدين للعمل في القطاعات المتطورة التي يستمر الاقتصاد الأميركي في إيجادها.

بعد ثماني سنوات على رئاسة أوباما، لم تعد الصين تخيف أميركا، بل عادت الولايات المتحدة إلى ثقتها بنفسها وبمستقبلها، فيما تعاني الصين اهتزازاً تحاول إخفائه إما بالدين أو بتلاعب مرجح في تقاريرها الاقتصادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق