الخميس، 13 أكتوبر 2016

…ثم صمتت واشنطن

حسين عبدالحسين

بعد خمسة اعوام من الديبلوماسية والمؤتمرات، وبعد طلبات بوحدة المعارضة السورية وانفصالها عن التنظيمات خارجية، وبعد قرارات مجلس الأمن وهدنات لم تصمد، وبعد لقاءات على مستوى وزراء الخارجية على انواعها — ثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية — وبعد التهديد بوقف التعاون العسكري الخيالي مع روسيا ان لم تلتزم الاخيرة والرئيس السوري بشار الأسد بوقف اطلاق النار والسماح بمرور قوافل الاغاثة الى المناطق المحاصرة، وبعد التلويح بخيارات عسكرية… صمتت واشنطن.

على مدى الاعوام الخمسة الماضية، كتبنا وكتب كثيرون ان الرئيس باراك أوباما لا يرى اهمية استراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط عموما، ولا لسوريا خصوصا. في تصريح فريد له في مقابلة اجرتها مع مجلة تايم في كانون الاول (ديسمبر)2012، قال أوباما ان انتاج الوقود الاحفوري في أميركا يسمح لواشنطن“بحرية الحركة لاختيار الشرق الاوسط الذي نريد ان نراه، والعالم الذي نريده”.

لم يعد النفط، ذو الاهمية الاستراتيجية لأميركا تاريخيا، ذو اهمية بالنسبة للولايات المتحدة في عهد أوباما. ومن يعرف الرئيس الاميركي، يعرف انه لا يؤمن ان على بلاده ان تلعب دور شرطي العالم او ان تنهي المجازر، ان في سوريا او في الكونغو، حسب تعبيره.

كما لا يؤمن أوباما ان لأميركا دوراً في نشر الديموقراطية، وهو اثناء حملته الرئاسية في العام 2008، قال في جلسة استماع في الكونغرس لقائدي العراق الجنرال دايفيد بترايوس والسفير ريان كروكر ان على أميركا ان تلملم الوضع في العراق بما هو افضل وتخرج.

يوم وصلت رياح الربيع العربي سوريا، اعتقد السوريون انه كما في ليبيا، لن يقف العالم صامتا امام المجازر التي توقع كل سوري ان يرتكبها الأسد. لكن في ليبيا، صدر قرار عن مجلس الأمن باستخدام القوة. حتى في الحالة الليبية، جاءت المشاركة العسكرية الاميركية خجولة، واحرجت الاوروبيين الذين ارهقتهم عملية التخلص من معمر القذافي. 

اما في سوريا، فلم تحرك مجازر الأسد وايران وروسيا أوباما. ولأن اهمية سوريا الاستراتيجية متدنية، لم ير الرئيس الاميركي ضرورة للقيام بأي مجهود للتأثير في مجريات الاحداث فيها، على الرغم من الضغط الكبير الذي مارسه حلفاء واشنطن، من الاروبيين والعرب، على الادارة الاميركية. 

ويوم تحرك أوباما عسكريا، انما فعل ذلك لأن رئيس الاركان السابق مارتن ديمبسي حذره من مغبة سقوط بغداد بأيدي تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) منتصف العام 2014. يومها تحركت القوة الاميركية بأدنى قدراتها لوقف داعش، ثم دحره، في حرب تغطي رقعتها اراض عراقية وسورية، ولكنها لا تصل غرب نهر الفرات في سوريا. اما تعاطي أميركا مع الحرب في باقي الاراضي السورية، فاقتصر على الثرثرة الديبلوماسية غير المدعومة بأي غطاء عسكري.

ولأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرأ جيدا نوايا أوباما، خصوصا بعد تراجع الاخير عن خطوطه الحمراء في صيف 2013، فهو وجد الفرصة مناسبة لاحراج أميركا بعد كل تصريح لوزير خارجيتها. كذلك، وضع بوتين استسلام معارضي الأسد الكامل شرطا لأي تسوية سياسية من التي تتحدث عنها واشنطن.

وبعد ثلاثة اعوام من التصريحات الاميركية، التي طالبت بالشيء ونقيضه، وبعد فشل أميركا في كل ما اعلنته حول سوريا، وبعد فشل واشنطن في تقديمها للمعارضين كل ما وعدتهم بتقديمه في حال لبوا لائحة طلباتها الروسية الطابع، وصل حبل الكذب الاميركي الى آخره.

منذ ان علقت أميركا محادثاتها مع روسيا بشأن سوريا، قبل اسبوعين، وهددت بالخيار العسكري، حاولت ادارة أوباما استبدال ثرثرتها العلنية عن سورية بسلسلة من التسريبات للصحافيين، فأبلغتهم عن اجتماع لكبار مسؤولي الوكالات الحكومية لمناقشة الوضع السوري، واوهمتهم ان الخيارات ضد الأسد جاهزة على مكتب أوباما لاختيار ما يناسبه منها. 

هذه المرة، حتى الصحافيين المقربين من ادارة أوباما لم يصدقوا التسريبات، فصمت الاعلام الاميركي تماما عن شؤون سوريا، وصارت صور مجازر الأسد وروسيا في حلب وغيرها تمر على الشريط الاخباري من دون ان تثير ردود فعل بين الاميركيين، الذين صاروا يعرفون ان رئيسهم سيخرج في أقل من مئة يوم من البيت الابيض، وسيسلم سوريا المشتعلة لخلفه.

هكذا، تلتزم واشنطن الصمت حول المجازر في سوريا في موقف بالغ الدلالة حول انسانية تعلنها وتبشر بها، ولكن قلما تمارسها. صمتت واشنطن عن مجازر سوريا بعد خمسة اعوام من الثرثرة، ويا ليتها بقيت صامتة منذ اليوم الاول، لعرف السوريون متى يثورون، ومتى يقاتلون، ومتى يهادنون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق