الأحد، 16 أكتوبر 2016

أميركا: الرعاية الصحية محور نزاع انتخابي

واشنطن - حسين عبد الحسين

يكرر المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب ما دأب على قوله الجمهوريون لناحية ضرورة إلغاء قانون الرعاية الصحية، المعروف بـ «رعاية أوباما» (أوباماكير)، بعدما جعله الرئيس باراك أوباما نقطة الارتكاز في وعوده الانتخابية، واستنفد رصيداً سياسياً كبيراً من أجل إقراره عام 2010. وفي المقابل، تدافع المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون عن القانون، لكنها تدعو إلى إجراء بعض التعديلات عليه لتحسينه.

وما زال النقاش حول مصير القانون مستعراً منذ اليوم الأول لإقراره، وتحول إلى عنوان مواجهة انتخابية متكررة بين الحزبين: الجمهوري الذي يرفضه ويطالب بإلغائه، والديموقراطي الذي يدعمه ويصر على الحفاظ عليه. هذا ظاهر التباين.

أما خلف الكواليس، فالخلاف هو فعلياً بين شركات التأمين الصحي والأطباء والمستشفيات من ناحية، وعامة الأميركيين من ناحية ثانية. فشركات التأمين والمستشفيات تتلطى خلف الحزب الجمهوري، وتمده بالمال الانتخابي اللازم، للقضاء على القانون، فيما عدد كبير من الأميركيين يحتمون بالحزب الديموقراطي الذي يعتبر ان الاستشفاء حق من حقوق الإنسان في الدول المتقدمة.

شركات التأمين تريد إلغاء بنود القانون التي تنظم عملها، خصوصاً القوانين التي تلزم هذه الشركات منح بوالص تأمين من دون تمييز للمواطنين بين غني وفقير أو بين المعافين ومن يعانون أمراضاً مزمنة. وقبل صدور القانون، كانت شركات التأمين تحتفظ بحق فسخ العقود مع من يبتلون بأمراض مزمنة، مثل السرطان. وكانت شركات التأمين تفرض ثمناً أعلى لبوالص من يعانون أمراضاً مزمنة أخرى، مثل أمراض القلب أو السكري. وكان بعض الأميركيين يقاربون شفير الإفلاس إذا ما ابتلوا، أو احد أفراد عائلتهم، بأي من الأمراض التي ترفض الشركات تغطيتها.

أمام قانون أوباما، الذي عانت والدته من سرطان الثدي والعوز، فأوقف الممارسات العشوائية، وفرض على شركات التأمين عدم التمييز بين المرضى، وهو ما أضاف عدداً من المرضى الأقل تعافياً إلى إجمالي من يحملون بوالص، فأدى ذلك إلى اقتطاع جزء من صافي الأرباح للشركات.

كذلك يرفض الأطباء بند القانون الذي يحدد سقفاً لما يمكنهم تقاضيه وتكاليف الفحوص أو الاستشفاء التي يفرضونها على المرضى. أما المستشفيات، فوجدت نفسها في مواجهة مع قانون يحاول الحد من أرباحها، وهي التي يتمتع مديروها بمرتبات خيالية ومكافآت تتعدى ملايين الدولارات في بعض السنوات، وقلما يكون هؤلاء المديرون من الأطباء بل غالباً من رجال الأعمال ممن يحولون العملية الاستشفائية إلى لعبة عرض وطلب.

وفي القطاع الصحي أيضاً، يبرز قطاع صانعي الأدوية، وهؤلاء كارتيل لم يتأثر بقانون الرعاية الصحية، لكن ممارساته، وتلطيه خلف «حزب الأغنياء»، التسمية التي يطلقها الديموقراطيون على الحزب الجمهوري، أدت إلى مضاعفة أسعار أدوية بسيطة.

أما آخر ابتكارات الجمهوريين، فتلك التي وردت على لسان ترامب في ثاني المناظرات الرئاسية عندما أشار إلى نيته إلغاء حدود الولايات المفروضة على شركات التأمين بدعوى تشجيع المنافسة وخفض أسعار البوالص. لكن ما أعلنه ترامب بعيد من الواقع، فشركات التأمين ترغب في إلغاء الحدود بين الولايات حتى يتسنى لها التسجيل في ولايات قوانينها متراخية، وبيع بوالص في ولايات ذات قوانين متشددة، ما يعني ان أي خلاف مع زبائنها يخضع لقوانين الولاية حيث مقرها.

وكان أوباما حاول أثناء عملية إقرار قانونه للرعاية الصحية فرض قوانين موحدة، إذ ان القانون الفيديرالي يلغي قوانين الولايات المحلية، لكن الجمهوريين رفضوا الأمر بحجة ان كل ولاية أدرى بناسها، وتراجع أوباما على مضض. لكن الجمهوريين الآن يتراجعون عن بند حدود الولايات الذي فرضوه بعدما أطاحوا بالقانون الفيديرالي الموحد.

أما الديموقراطيون بقيادة أوباما فيمنع قانونهم للرعاية الصحية ممارسات الأغنياء التي يتمسك بها الجمهوريون وجزء كبير من القطاع الصحي. ويشير الديموقراطيون إلى انخفاض عدد غير المضمونين صحياً بين الأميركيين من 35 في المئة عام 1960 إلى سبعة في المئة اليوم. كما يقول الديموقراطيون أن القانون ساهم في التخفيف من نمو الفاتورة الصحية للبلاد عموماً، إذ يشكل القطاع الصحي 17 في المئة من الناتج المحلي البالغ 19 تريليون دولار. ويرد الديموقراطيون على اتهامات الجمهوريين لناحية أن قانون «رعاية أوباما يقتل الوظائف» بالإشارة إلى أن البلاد عرفت أطول فترة من خلق الوظائف على مدى الأشهر الثلاثين الماضية، وأن نسبة البطالة، منذ إقرار القانون عام 2010، بلغت أدنى مستوياتها بواقع 4.9 في المئة.

قانون الرعاية الصحية، قرة عين أوباما، نجح إلى حد كبير، لكن استمراره يحتاج إلى تعديلات، باعتراف القيمين عليه، الذين يشيرون الى ان عملية إقراره تطلبت تسويات سياسية أضرت به، وأن التجربة قدمت بعض الدروس المفيدة. أما التحدي الأكبر، فيكمن في زيادة عدد منتسبي برامج البوالص التي خلقتها الحكومة الفيديرالية بالتعاون مع حكومات الولايات بهدف خفض أسعار هذه البوالص، التي لا تزال مدعومة جزئياً من الخزانة المركزية. ربما إلغاء الحدود بين الولايات يسمح بتوسيع «رزم» حاملي البوالص وتالياً تقليص تكاليف بوالصهم، لكن عملية الإلغاء هذه تتطلب وفق الديموقراطيين توحيد قانون التأمين تلافياً لاحتماء بعض الشركات في ولايات تقدم قوانين متراخية حتى تستقطب هذه الشركات إليها وتستفيد من استضافة مقراتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق