الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

عباس في اسرائيل..حيث ينتمي

حسين عبدالحسين

ان يشارك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مراسم عزاء رئيس اسرائيل السابق شمعون بيريز موضوع يستأهل النقاش. 

صحيح انه لم يسبق لأي مسؤول اسرائيلي ان شارك في عزاء رؤساء فلسطينيين، وان الارجح ان يوم موت عباس، بعد عمر طويل، لن يشهد مشاركة اسرائيلية، لكن مشاركة عباس في جنازة بيريز ربما قدمت لعباس الفرصة ليظهر بمظهر الرئيس الند لرؤساء العالم، وربما قدمت له الفرصة ايضا ليسترق حديثاً مع زعماء العالم. 

في خضم مشاركة عباس، يمكن للعرب ان يترفعوا عن مآسيهم. يمكن لهم ان ينسوا مآثر بيريز الحربية ضدهم. يمكن للعرب ان يقدموا صورة انسانية في حالات الموت والمواساة.

لكن لا يمكن للعرب ان يتناسوا كيف يتظاهر اليوم، بطل الديموقراطية التي فرضتها على الفلسطينيين اميركا واسرائيل في العام 2003، انه مازال رئيسا. طالما ان عباس هو رمز التداول على السلطة، فليتفضل بالرحيل عنها بعدما انتهت ولايته في العام 2009، او على الأقل، لتتفضل أميركا واسرائيل وتكفلا انتخابات رئاسية لضمان الديموقراطية التي فرضتاها في العام 2003، رغما عن ارادة الرئيس الراحل المنتخب ياسر عرفات، وبعد رحيل عرفات في العام 2005.

على مدى العقدين الماضيين، تصدر النقاش حول نشر الديموقراطية في الدول ذات الغالبية السكانية المسلمة اتهامات بحق التنظيمات الاسلامية مفادها ان الاسلاميين يريدون استغلال الديموقراطية لنسفها. وتم تقديم تجارب الجزائر وغزّة، وفي وقت لاحق مصر، للدلالة على ان الاسلاميين يفوزون بالانتخابات ديموقراطيا، ثم يعدلون الدستور ويستولون على الحكم حتى اشعار آخر. 

تقويض الديموقراطية المزعوم، الذي تقوم به التنظيمات الاسلامية، يبرر الديكتاتورية والانقلابات التي يقوم بها غير الاسلاميين، وخصوصا من العسكر، كما في حالتي الجزائر ومصر. 

ولكن ان كان الاسلاميون هم من يقوضون الديموقراطية، فاين ديموقراطية السيد محمود عباس؟ ولماذا ما يزال من انتهت ولايته قبل ست او سبع سنوات متصدرا المشهد، ويشارك في مراسم عزاء وكأنه رئيس منتخب؟ ولماذا يتجاهل الغرب تجربة محمود عباس لدى الحديث عمن يصلون السلطة عبر صناديق الانتخابات ليسيطروا عليها حتى اشعار آخر؟ 

لسنا هنا في معرض الدفاع عن التنظيمات الاسلامية او شعاراتها او برامجها. لكن الاصول أصول، وولاية الرئيس المصري السابق محمد مرسي لم تكن قاربت نهايتها قبل ان يستبقها العسكر بانقلاب لا يبرره الا الجموح الى السلطة وازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع المسؤولين المنتخبين وغير المنتخبين حول العالم.

مشكلتنا الثانية في مشاركة عباس في عزاء بيريز، بصفة رئيس فلسطين، يكمن في الفساد المستشري في السلطة، والذي يرعاه عباس شخصيا، والذي يستغله اصدقاء اسرائيل في واشنطن ويقدمونه عذرا لاستحالة تسليم الفلسطينيين دولة يحكمونها. 

هكذا، تفضل علينا المواطن الكندي، من جذور فلسطينية، ياسر محمود عباس، برفع دعوى تشهير ضد كاتب اميركي من اصدقاء اسرائيل كان اتهمه بالفساد. خسر ياسر عباس الدعوى، فمن يعرفون العاصمة الاميركية، يعلمون ان السيد ياسر يمضي وقته في شراء النفوذ في واشنطن، لا من اجل قيام دولة فلسطين المستقلة وتحرر الفلسطينيين من الاحتلال، بل للفوز بعقود واقامة صفقات بالشراكة مع رجال اعمال من اقارب حكام دول من آسيا الوسطى الى اميركا الجنوبية.

مشكلتنا الثالثة مع عباس انه، في وقت يغرق السوريون في دمائهم، كما الفلسطينيين بين الحين والآخر، كان عباس سباقاً في توجيه رسالة لنظيره السوري بشار الأسد للتهنئة بـ “انتخاب” الاخير لولاية ثالثة.

فليذهب محمود عباس الى اسرائيل، فمشكلتنا معه ليست في لفتته الانسانية تجاه من لا يعتبرون العرب في مصاف البشر، فلا ضير ان يكون العرب اكثر انسانية من جلاديهم. مشكلتنا مع السيد عباس انه ينسف ديموقراطية فلسطين، ويقوض شرعية الدولة، ويغرق مؤسساتها في الفساد، ويشوه صورتها، ويقدم الفلسطينيين على انهم مجموعة قاصرة سياسيا وفاسدة ماليا، وهي تاليا لا تصلح لقيام دولة مستقلة.

مشكلتنا في مشاركة عباس في جنازة بيريز ليس انه قدم العزاء لاسرائيل، بل في انه يقدم فلسطين بصورة سيئة امام الامم، وهي صورة تؤذي مصلحة الفلسطينيين والعرب اكثر بكثير من مجرد الوقوف امام بنيامين نتنياهو ومصافحته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق