الأحد، 13 نوفمبر 2016

انتخاب ترامب... ثورة الأغنياء على الفقراء

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اندلعت وفي شكل عفوي تظاهرات في كبرى المدن الاميركية، مثل نيويورك وشيكاغو وسياتل، تظاهرات بالآلاف ضد انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وفي مدينة نيويورك، امام مقر الرئيس المنتخب والمقيم في البرج الذي يحمل اسمه، وقف المتظاهرون ساعات، وهتفوا عبارات نابية بحقه.

وجاءت التظاهرات تزامنا مع حملة اطلقها ناشطون اميركيون معارضون لرئاسة ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان «ترامب ليس رئيسي». وهذه من المرات النادرة التي تنبري فيها حشود شعبية للاعتراض على اي من الرؤساء الاميركيين المنتخبين من اي من الحزبين. ومن غير الواضح ان كانت الحملة الاعتراضية ستتطور وتتوسع، ام انها فورة وستنحسر.

وبينما استقبل الرئيس باراك اوباما مساء امس، ترامب في البيت الابيض بصفته الرئيس الجديد حيث أجريا محادثات في شأن انتقال السلطة، وفي حين اجتمعت الاميركية الاولى ميشيل اوباما في مقر اقامتها في البيت الابيض بميلانيا ترامب، انكب الخبراء الاميركيون على دراسة نتائج الانتخابات الاميركية لفهم كيفية تصويت المجموعات العرقية والعمرية والاجتماعية المختلفة. وفي وقت يجمع المتابعون ان المفاجأة التي فجرها الرئيس، في وجه منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، كانت بمثابة «ثورة المهمشين» ضد الطبقة السياسة الحاكمة، التي تمثلها كلينتون، الا ان الاتجاه الحقيقي - حسب نتائج صناديق الاقتراع - يظهر ان الانتفاضة الانتخابية التي تزعمها ترامب هي في الواقع «ثورة الاغنياء على الفقراء».

وتظهر الارقام ان 35 في المئة من الناخبين بلغ معدل دخلهم السنوي اقل من خمسين الف دولار، وان 53 في المئة ممن يتقاضون اقل من 30 الف دولار سنويا، وهم الفئة الاكثر فقرا في الولايات المتحدة، اقترعوا لمصلحة الديموقراطيين وكلينتون، فيما اقترع 41 في المئة من هؤلاء لترامب والجمهوريين. كذلك منح 51 في المئة ممن يتراوح دخلهم السنوي بين 30 و55 الفا سنويا لمصلحة كلينتون، و42 في المئة منهم فقط أيدوا ترامب.

اما الفئة الاميركية الميسورة، اي، ثلثا الناخبين الاميركيين، فهم رجحوا كفة الانتخابات لمصلحة ترامب والجمهوريين. وجاء في البيانات الانتخابية ان نصف من يترواح دخلهم بين 50 و100 الف دولار سنويا صوتوا لترامب، فيما اقترع 46 في المئة من هؤلاء لكلينتون. اما في فئة 100 الى 200 الف دولار، وهم يشكلون النخبة الاميركية وربع اجمالي الناخبين، فاقترع 48 في المئة منهم لترامب، و47 في المئة لكلينتون.

وتفوق ترامب بنقطة مئوية، 49 مقابل 48 في المئة، لدى الفئة التي تتقاضى 200 الى 250 الف سنويا، وهؤلاء شكلوا 4 في المئة من الناخبين. اما من يجنون اكثر من ربع مليون دولار سنويا، فشكلوا 6 في المئة من اجمالي الناخبين، واقترعت غالبيتهم لترامب بواقع 48 في المئة مقابل 46 في المئة لكلينتون.

هذه الارقام تظهر بوضوح ان غالبية فقراء أميركا اقترعوا لكلينتون والحزب الديموقراطي، فيما اقترعت غالبية الاغنياء لترامب وحزبه الجمهوري، وهو ما قد يفسّر تمسك الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي بقانون الرعاية الصحية، واصرار الجمهوريين على نسفه، اذ يعتقد الجمهوريون ان اموال ضرائبهم تمول علاج الاقل دخلا، وهم يرفضون ذلك، ويصرون على «حرية الاستشفاء» عن طريق الشركات الخاصة.

وكان زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل افتتح مؤتمره الصحافي، اول من امس، بالقول ان المشروع الاول على جدول اعمال الكونغرس المقبل هو نسف قانون الرعاية الصحية الذي أقرّه أوباما. ومع سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس بغرفتيه وعلى البيت الابيض، اصبح من الممكن نسف القانون، على الرغم من ان خطوة من هذه النوع ستنزع الضمان الصحي عن حوالي 25 مليون أميركي.

في هذه الاثناء، اظهرت بيانات الاقتراع ان الناخبين الذين تراوحت اعمارهم بين 18 و25 عاما صوتوا بغالبية ساحقة لمصلحة الديموقراطيين وكلينتون، وانه لو قيض لهؤلاء تحديد نتائج الانتخابات حسب اصواتهم وحدهم، لنالت كلينتون 504 اصوات في «الكلية الانتخابية» مقابل 23 صوتا لترامب فقط. كذلك، اظهرت البيانات نفسها ان غالبية من تترواح اعمارهم بين 19 و44 صوتوا للديموقراطيين ايضا، فيما اقترعت غالبية من تبلغ اعمارهم 54 عاما فما فوق لترامب والجمهوريين.

ومن شأن هذه البيانات ان تثير قلق قيادة الحزب الجمهوري مستقبلا. وكان الحزب الجمهوري، على اثر خسارة انتخابات الرئاسة في دورتي 2008 و2012، عمل على اعداد دراسات جاء فيها ضرورة تعديل الخطاب الحزبي لاستقطاب الشباب، بما في ذلك تعديل الموقف الحزبي المعادي لأمور مثل الاستخدام الفردي لحشيشة الكيف الماريوانا وانهاء معاداة حقوق المثليين الجنسيين. لكن فورة ترامب، وتحفيزه البيض على اسس عرقية ودينية ضد الآخرين، انتج موجة انتخابية سمحت له وللحزب الجمهوري بالفوز بالرئاسة والكونغرس حتى من دون الاستعانة بالناخبين ممن هم دون الـ 25 من العمر.

واستخلص مراقبو الانتخابات الاميركية ان انتصارات الجمهوريين في الرئاسة في الاعوام 2000 و2004 و2016، هي انتصارات غير كاسحة، مقارنة بالاكتساحات الجمهورية في دورات 1992 و1996 و2008 و2012، اي انه عندما يفوز الجمهوريون بالرئاسة، ففوزهم بالكاد يتخطى حاجز الاصوات المطلوبة، فيما انتصارات الديموقراطيين في الرئاسة غالبا ما كانت على شكل تفوق كاسح.

كما استخلص الخبراء انه على الرغم من الخسارة المدوية للديموقراطيين، فان استعادتهم مقعدين في مجلس الشيوخ، وعشرة مقاعد في مجلس النواب، يشي بأن قاعدتهم لم تكن خائرة القوى بشكل مطلق. على ان الخبراء يجمعون ان الديموقراطيين فوتوا فرصة استعادة مجلس الشيوخ، بما ان النواب عصي على الديموقراطيين بسبب التلاعب بخرائط المقاطعات الانتخابية الذي اقره الجمهوريون بعد الاستفتاء السكاني في العام 2010، وان الفرصة المقبلة للديموقراطيين ستكون في العام 2020، بدلا من الانتخابات النصفية في 2018.

ولأن البيض الاميركيين وقواعد الحزب الجمهوريين اكثر تحفزا للاقتراع، فغالبا ما يتفوقون على الديموقراطيين في الانتخابات النصفية. وللمقارنة، بلغت نسبة الانتخاب في العام 2012 اكثر من 53 في المئة من اجمالي الناخبين الاميركيين، وانخفضت هذه النسبة الى 36.4 في المئة فقط في الانتخابات النصفية في العام 2014، والتي تفوق فيها الجمهوريون واستعادوا الغالبية في مجلس الشيوخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق