الأحد، 13 نوفمبر 2016

قلق داخلي وخارجي من «أفكار» ترامب المبعثرة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تتباين الأسباب التي تدفع الاميركيين الى القلق من انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وتلك التي تدفع بقية العالم للقلق.

الأميركيون يخشون إلغاء ترامب اجزاء من قانون الرعاية الصحية يحظر على شركات التأمين رفض المرضى ممن يعانون ازمات صحية سابقة. كما يخشون ان يسمح لاجهزة الاستخبارات التجسس على المواطنين، خصوصا من غير البيض، وتفتيشهم وتفتيش منازلهم من دون مبرر او إذن قضائي.

اما العالم، فيقلق لأن ترامب كمية مجهولة في السياسة الخارجية اكثر منه في الداخلية. في المرات التي قدم فيها ترامب رؤيته حول الشؤون الدولية، جاءت أفكاره مبعثرة، وبدا انه لا يعرف الفارق بين حلب السورية او الموصل العراقية. كما اقترح ترامب افكارا مبهمة وغير قابلة للتطبيق، من قبيل قوله ان الحل للقضاء على تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) يقضي بـ «أخذ النفط» العراقي. لكن سحب المخزون العراقي النفطي دفعة واحدة أمر مستحيل، الا اذا كان ترامب يعتقد بوجوب سيطرة اميركية على منابع النفط العراقية تحرم وصول داعش اليه. لكن السيطرة الاميركية تحتاج الى قوات ارضية في العراق متمركزة في قواعد ثابتة، وهو ما يجعلها اهدافا سهلة للارهابيين، فضلا عن ان غالبية ساحقة من مؤيدي ترامب تعارض استخدام قوات أميركية ارضية في اي مكان حول العالم.

ربما يريد ترامب تسليم ملف «داعش» في العراق الى الايرانيين، على غرار اعتقاده ان ابقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم وتسليم ملف الأزمة السورية الى روسيا وايران أمر جيد. لكن ترامب وعد بـ «تمزيق» الاتفاقية النووية مع الايرانيين، وهذا ممكن، خصوصا مع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بغرفتيه. إذن، كيف يمكن لترامب التعاون مع الايرانيين في العراق وسورية، وفي الوقت نفسه التصعيد معهم نوويا؟

سياسة ترامب الخارجية كمية من التناقضات. يقول الجمهوريون انه سيعهد بها الى ابرع المستشارين اثناء قيامه بتشكيل فريقه للحكم في الايام السبعين المقبلة. لكن بالحكم على التجربة الماضية، ناقض ترامب اقرب مقربيه، بمن فيهم نائبه مايك بنس، عندما قال الأخير ان سياستهما في سورية سترتكز على استعراض قوة في وجه الروس، لأنها اللغة الوحيدة التي تفهمها موسكو، ليطل ترامب بعد ذلك ويقول انه يختلف وبنس، وأنهما لم يتناقشا في الأمر.

وما يزيد من التضارب في ملامح سياسة ترامب الخارجية، في الموضوع السوري مثلا، ان مستشاريه لشؤون الشرق الاوسط، هم من الاقليات الذين يدعون منذ عقود الى اقامة «تحالف اقليات» شرق أوسطي، فيه المسيحيون واليهود والشيعة والعلويون، ضد الغالبية السنية. هؤلاء المستشارون هم من رعوا «مؤتمر مسيحيي المشرق» في واشنطن، وهم من حاولوا، وان بفشل، تمهيد اعادة انفتاح الرئيس باراك أوباما على الأسد، علما ان فريق أوباما المخصص لسورية كان من انصار الاستناد الى الأسد «للقضاء على الارهابيين».

تجاه دول الخليج، الجمهوريون عادة يدعون لصلات اميركية افضل مع هذه الدول، التي يرى فيها الجمهوريون مصادر عقود مالية تغنيهم.

لكن خطاب ترامب الانتخابي حمل كراهية كبيرة لكل الدول العربية والإسلامية، بما فيها الخليج، وحمّل حكوماتها مسؤولية تمويل التنظيمات المتطرفة مثل «القاعدة» و«داعش».

كذلك ستعاني العلاقة الخليجية - الاميركية من امكانية رعاية ادارة ترامب للقضايا التي سيرفعها اميركيون امام المحاكم للمطالبة بتعويضات بموجب قانون جاستا. ومن يعرف واشنطن يعلم ان ترامب سيلجأ الى قوانين شعبوية من هذا النوع، خصوصا ان تَعَثَّرَ أداؤه في الشؤون الاهم شأنا، خصوصا الداخلية.

تجاه اسرائيل، ستكون علاقة ترامب معقدة. صحيح ان الخطاب الاميركي الرسمي، خصوصا الجمهوري، يكرر لازمة التحالف الأبدي مع الاسرائيليين، الا ان حملة ترامب شهدت عداء لليهود مشابها للعنصرية ضد غير البيض عموما، وكانت مألوفة بين انصاره نظريات المؤامرة حول سيطرة اليهود المزعومة على المال والاعلام في أميركا وحول العالم. لكن اعلان ترامب نيته تمزيق الاتفاقية النووية مع ايران تشي بأنه قد يحصر تحالفه مع الاسرائيليين بمواجهة ايران، من دون الالتفات ابدا الى مواضيع الصراع العربي - الاسرائيلي او معاناة الفلسطينيين.

في العلاقة مع قوى العالم الاخرى، من المرجح ان يحاول ترامب ان ينسج علاقات مع الاوروبيين اليمينيين، من امثال الحكومة البريطانية الحالية، وربما يشجع انتخابه المزيد من الصعود ليمينيي فرنسا بزعامة لوبين، وستتعثر في الغالب علاقته مع الألمان، الذين كانوا ينتظرون وصول الديموقراطية هيلاري كلينتون لوضع حد للأزمة السورية وانهاء ازمة تدفق اللاجئين السوريين تجاه اوروبا.

وستكون أنظار العالم شاخصة نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلاقة ترامب معه. لكن الأمر لن يكون ورديا، فالشخصيتان تتشابهان في اعتناقهما القوة سبيلا للعلاقات، وسيحاول كل منهما السيطرة على نظيره، وهو ما قد يؤدي الى سباق واصطدام، لكنه اصطدام سيتطلب حكمة قد لا يتمتع بها الرئيس الاميركي المنتخب.

الافكار الشحيحة التي قدمها ترامب حول الشؤون الدولية تولد صورة غير مكتملة، وهو كان وعد بتعيين رئيس الكونغرس السابق نيوت غينغريتش وزيرا للخارجية. والاخير لا يتمتع برصيد في الموضوع، باستثناء علاقته المتينة مع اقصى اليمين الاميركي من صقور عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. اما كيف يمكن توليف سياسات اليمينيين الصقور مع سياسة ترامب القاضية بالانسحاب من شؤون العالم وعدم استخدام القوة العسكرية، بل اجبار الحلفاء على القيام بالمهمات العسكرية، فتناقض سيحتاج المزيد من الوقت ليتضح كيف يمكن تذليله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق