الاثنين، 21 نوفمبر 2016

ترامب يحارب إيران ويهادن الأسد

حسين عبدالحسين

بالنظر الى التشكيلة الحكومية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، والتي بدأت تأخذ شكلها الاولي، يمكن القول إن واشنطن ستعود إلى سياستها التي كانت تتطابق مع مع سياسة حليفتها اسرائيل، وهي سياسة تقضي باعتبار ايران التهديد الاول والوحيد لمصالح الدولتين في منطقة الشرق الاوسط.

الرئيس باراك أوباما كان تباين مع الاسرائيليين في سياسته تجاه طهران، فهو اعتبر أن لإيران حضارة عريقة وتاريخاً طويلاً، وأن الملالي يفهمون حسابات الربح والخسارة، وانهم ليسوا انتحاريين سياسياً، بل هم يحرصون على مصالحهم، وهو ما يجعل التعامل معهم ممكناً، لا بل محبذاً، إذ إن تحويل ايران الى حليف موثوق لأميركا، وتلزيمها أمن المنطقة، يلبّي المصالح القومية للولايات المتحدة، خصوصاً لناحية محاربة التنظيمات الاسلامية التي تصنفها واشنطن ارهابية.


ولأن إيران تؤمّن مصالح الولايات المتحدة، تصبح واشنطن بغنى عن الخدمات التي اعتاد تقديمها نظام الرئيسين السوريين الراحل حافظ الأسد والحالي بشار، وهو ما اعطى الاميركيين هامشاً لانتقاد بشار الأسد علناً، والوقوف في صف الدول العربية المطالبة برحيله عن الحكم، وهي مواقف غير مكلفة لأوباما ولا ترتب عليه القيام بأي خطوات.


لكن لإدارة ترامب رؤية مختلفة تعتبر أن العداء تجاه إيران -في الغالب استرضاء لاسرائيل واصدقائها في واشنطن- حجر زاوية للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. وعندما تصبح ايران عدوة، يصبح مطلوباً انتزاع اوراق القوة من يدها، والضغط عليها في لبنان والعراق، ومحاولة إبعاد الأسد عنها، كما في سياسة "الانخراط مع الأسد"، التي بدأتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن قبل نهاية عهدها بسنة بتزكية اسرائيلية، واكملتها ادارة أوباما حتى منتصف العام ٢٠١١، اي حتى بعد اشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية.


والمسؤولون الذين تم تعيينهم في فريق ترامب، أو الذين ما زالوا ينتظرون هذا التعيين، ينظرون الى ايران من زوايا سلبية متعددة، أولها العداء المطلق للاتفاقية النووية، التي وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بـ"تمزيقها". على أن "التمزيق" ليس بالسهولة التي قد يعتقدها ترامب، فالعقوبات الاقتصادية على ايران كانت مفروضة بإجماع دولي وقرارات صادرة عن مجلس الأمن، وهو اجماع يصعب اعادة تكوينه، خصوصاً بالنظر الى الهدوء الذي يلف المنشآت النووية الايرانية.


لكن، يمكن لإدارة ترامب والكونغرس الجمهوري فرض عقوبات أميركية أحادية، على غرار تصويت الكونغرس على وقف صفقة بيع بوينغ طائرات مدنية للايرانيين بقيمة ٥٠ مليار دولار. وهذا التصويت لن ينجح بوجود أوباما، لكن مع دخول ترامب البيت الابيض في ٢٠ كانون الثاني/يناير، يصبح سهلاً على الجمهوريين استصدار قوانين من هذا النوع، وهو ما يحرم ايران الطائرات المدنية، حتى من نوع ايرباص الاوروبية، التي تعتمد في صناعتها على قطع اميركية.


ثاني بند في ترسانة عداء ترامب للايرانيين يتمحور حول نية مسؤوليه كشف التعامل السري بين نظام طهران و"تنظيم القاعدة". وكانت القوات الاميركية الخاصة جمعت آلاف الوثائق اثناء عملية قتلها زعيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان في ٢٠١١. ويقول المطلعون إن الوثائق تشير الى رعاية ايرانية لهذا التنظيم، والسماح لقياديه وكوادره بالإقامة في ايران، وحتى السماح لهم بالاعداد لشراء واستخدام اسلحة دمار شامل ضد اهداف غربية.


عداء ترامب للنظام الايراني يذكّر بعداء بوش للنظام العراقي، وهو عداء مبني على اتهامات تتنوع بين علاقة النظام بإرهابيين ووجود أسلحة دمار شامل. لكن هذه المرة، مع ابتعاد أميركي عن الحروب، لن يصل الامر حد اجتياح اميركي وقلب نظام ايران، بل سيقتصر على ضغوط دولية هائلة.


هكذا، ستعود واشنطن الى معاداة ايران ومصادقة الأسد، لكن هذه المرة الأسد "مادة سامة" من دون مواربة في الغرب، وهو ما سيضطر فريق ترامب الى التعاون معه بطريقة غير مباشرة، في الغالب عن طريق موسكو والقاهرة.


صحيح ان ترامب سبق ان وصف الأسد بـ"الرجل السيء"، لكن ادارته التي بدأت تتخذ لنفسها شكلاً "مسيحياً" وتسعى لتشكيل تحالف مسيحي دولي ضد "الاسلام"، حيث لا تكلّف ادارة ترامب نفسها بالتمييز فيه بين متطرفين أو معتدلين، ستجد في الأسد مادة ملائمة للمشاركة في هذا التحالف.


يوم وصل بوش الابن الى الحكم، أغرق ادارته بشخصيات كان يدور حولها جدل واسع، من "أمير الظلام" ريتشارد بيرل، إلى "دارث فايدر" ديك تشيني، وبول وولفوويتز، وغيرهم من الصقور الذين أخافوا العالم من انفلات القوة الاميركية من عقالها، وهي قوة انفلتت فعلاً، لكنها ارتدت على أصحابها، فاضطر بوش الى طردهم، وعزل تشني، وعاد الى السياسات الاكثر حكمة التي نصّها له صديق عائلة بوش المخضرم في السياسة الدولية جايمس بايكر.


أما في حالة ترامب، فلا يلوح بايكر ولا أي حكيم غيره في الافق، وهو ما ينبىء بأن أميركا قد تغوص في ازمات دولية لن تعرف كيف تخرج منها هذه المرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق