الاثنين، 21 نوفمبر 2016

شركات الطيران الأميركية تريد احتكار أجواء الولايات المتحدة

واشنطن - حسين عبدالحسين

في تعليق على صفحته على «فايسبوك»، يلفت وزير العمل الأميركي السابق الاقتصادي روبرت رايخ، إلى أن أسعار النفط «انخفضت بنسبة 70 في المئة عام 2015، فيما لم تتراجع أسعار تذاكر السفر الجوي إلا بنسبة 4 في المئة».

ورايخ على حق، إذ يعاني المسافرون الأميركيون من التمادي في الاحتكار الذي تمارسه شركات الطيران الأميركية، التي تدنى عددها من 9 إلى 5 على مدى السنوات السبع الماضية. وتسيطر 4 من الشركات الخمس على ٨٠ في المئة من السوق، وهناك وجهات كثيرة تسيطر عليها شركة واحدة، ما يمنحها فرصة احتكار السعر ورفعه، من دون أن يكون أمام المسافرين خيارات أخرى.

لكنّ الشركتين المذكورتين وظفتا 120 محامياً ومتخصصاً، منهم من الموظفين السابقين في وكالة مكافحة الاحتكار الحكومية، وأنفقتا أكثر من 300 مليون دولار لتمويل اللوبي الذي أوكلتاه لرئيس موظفي البيت الأبيض السابق وعمدة مدينة شيكاغو حالياً رام ايمانويل، وهو صديق شخصي للرئيس باراك أوباما. ومن غير المعروف ما الذي جناه ايمانويل من دعمه عملية الدمج، لكنّ المراقبين يعتقدون بأن للشركتين نشاطاً واسعاً في مطار أوهير في شيكاغو، وأنهما توظفان عدداً من سكان المدينة، ما دفع عمدتها الى دعم الشركتين، في مقابل إبقائهما على هذه الوظائف وربما زيادة عددها. وبعد فترة قصيرة، تراجعت وزارة العدل الأميركية، وسحبت الدعوى التي أقامتها، وفعلت ذلك بأمر سياسي فاجأ العاملين في الوزارة، الذين عبّروا عن إحباطهم لسحب الحكومة القضية.

وكما في كل عملية دمج، تدّعي شركتا الطيران أن الدمج سيزيد من «فاعليتهما» في السوق، وأنه سيسمح للشركة الجديدة بمنافسة الشركات الكبرى الأخرى، وتالياً يؤدي التنافس إلى خفض أسعار تذاكر الطيران. كما تَعد الشركتان عادة برفع رواتب موظفيهما وتقديم خدمات أفضل للمسافرين.

لكن خدمات الشركات الأميركية للمسافرين داخلياً صارت معدمة، إذ بات المسافرون يسددون كلفة إضافية لحقائبهم، ولا تقدم لهم الشركات وجبات أثناء الرحلة، بل تكتفي بتوزيع عبوات مرطبات صغيرة وأكياساً من رقاقات البطاطس. وأخيراً أعادت غالبية شركات الطيران الأميركية ترتيب مقاعدها في الدرجة السياحية، فانخفضت المساحة المخصصة للراكب في بعض الشركات، مثل «سبيريت» إلى أدنى مستوى ممكن، لتصبح 71 سنتيمتراً بعرض ٤٥، وهي مساحة ضيقة جداً.

ولأن المسافرين لا يحصلون على خدمة توازي ثمن تذكرتهم، فإن العاملين في شركات الطيران يعانون أيضاً من شح في رواتبهم، إذ لا يتجاوز راتب بعض الطيارين ٢٥٠٠ دولار في الشهر، وهو يقارب حد الفقر بالمقياس الأميركي. فيما يعمل بعض المضيفين والمضيفات في وظائف أخرى، بسبب تدني الرواتب التي يتقاضونها من شركات الطيران. كل هذا التقنين، في خدمات المسافرين وفي نفقات العمال، يقابله تحقيق شركات الطيران الأميركية أرباحاً بلغت 70 في المئة عام 2015 مقارنة بعام 2014.

وبموازاة احتكارها السوق الداخلية، حاولت شركات الطيران الأميركية احتكار الخطوط الدولية التي تربط الولايات المتحدة بالعالم، فأقامت دعوى ضد ثلاث شركات طيران خليجية، هي «القطرية» و «الإماراتية» و «الاتحاد»، بحجة أن حكومات هذه الشركات تدعمها مالياً، وأن هذا الدعم الحكومي يتنافى مع التنافس الحر. وتالياً، طالبت الشركات الأميركية حكومتها بمنع هذه الشركات الخليجية من السفر من أميركا وإليها.

ومَن يعرف السوق الأميركية، يعلم أن الشركات الأميركية تكذب، فهي ذاتها تتمتع بدعم حكومي أميركي ولو كان مخفياً. هذا الدعم جاء على اثر هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2011 في نيويورك وواشنطن، حيث عانى قطاع الطيران الأميركي مالياً، بسبب الخوف الذي سيطر على المسافرين في الأشهر التي تلت الهجمات. وترافق ذلك مع ارتفاع في أسعار النفط، فتكبدت الشركات خسائر كبيرة، وأعلن بعضها إفلاسه.

ولتخفيف خسائرها، استخدمت شركات الطيران الأميركية اللوبي التابع لها، ودفعت الكونغرس إلى إصدار قانون حمل اسم «قانون أميركا تطير»، وهو يجبر كل الوكالات الحكومية الأميركية والوزارات والموظفين المسافرين في مهمات خاصة، وحتى أي جمعية أهلية أميركية أو غير أميركية تتسلم أموالاً من الحكومة، أن تشتري تذاكر سفرها من شركات الطيران الأميركية، حتى لو توافرت تذاكر بأسعار أرخص لدى شركات طيران غير أميركية. وهذا يعني أن الحكومة الأميركية قررت التخلي عن قاعدة السوق الحرة والعرض والطلب، وقررت إجبار كل من ينفق أموالاً حكومية لشراء بطاقات سفر، أن يشتريها من الشركات الأميركية، وهذه أموال طائلة بمثابة دعم حكومي مستتر لشركات الطيران الأميركية. ورد الطيران الخليجي بأن وظّف شركات لوبي كبيرة، وبادل الهجوم السياسي الأميركي بهجوم مضاد، وخرج الأمر الى العلن ولا تزال المعركة السياسية بين الاثنين مستمرة وحامية الوطيس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق