الخميس، 1 ديسمبر 2016

إجتثاث الشعب

حسين عبدالحسين

لم يكن هدف الولايات المتحدة وايران “إجتثاث البعث” العراقي لاستبدال حكم طاغية بديموقراطية وعدالة، فالرئيس الراحل صدام حسين لم يحاسب للجرائم التي ارتكبها بحق العراقيين، بل فقط بحق بعض الشيعة منهم. هكذا لفظ صدام انفاسه وسط صرخات “مقتدى، مقتدى، مقتدى”، وهكذا تم شنقه في مكتب الفرع الخامس للاستخبارات العراقية الذي كان مكلفاً ملاحقة “حزب الدعوة الاسلامية” وقيادييه ومناصريه. لم يكن اعدام صدام حسين عدالة، بل ثأراً، وشتّان بين الاثنين.

ولم يكن هدف الولايات المتحدة وايران وروسيا في دعم البعث السوري معاونة طاغية آخر في القضاء على مسلحين يروعون المدنيين الآمنين، بل هدف دعم البعث السوري ورئيسه بشار الأسد هو ارهاب المدنيين الآمنين، وتدمير بيوتهم ومشافيهم ومدارسهم على رؤوسهم، واخضاعهم لحكم الأسد واستخباراته ورجال الاعمال من اولاد اخواله وخالاته والبلطجية من اولاد اعمامه. لم يكن الهدف من دعم بشار الأسد الحفاظ على أمن السوريين، بل الحفاظ على حكم الأسد، وشتّان بين الاثنين.

ولم يكن هدف دعم ايران للمقاومة الاسلامية في لبنان تحرير الاراضي العربية التي تحتلها اسرائيل، بل انتزاع اللبنانيين من القبضة الاسرائيلية الى القبضة الايرانية، فالحرية ليست في طرد الغريب عن ارض العرب فحسب، بل في امساك العرب بسيادتهم وقرارهم الحرّ. لم يكن الهدف في لبنان مقاومة اسرائيل، بل مقاومة مفهوم سيادة الشعب على نفسه، واستبدالها بثنائية الدولة الضعيفة تحت سلطة “الاهالي” الاقوياء.

هي سلسلة من التجارب التي أطلقتها الثورة الاسلامية في ايران، وهي تجارب مبنية على فكر اسلامي ماركسي هجين يخضع بموجبه المظلومون المستضعفون حول العالم لسلطة نائب الإمام المنتظر وولي الأمة مرشد الثورة في طهران. وعملية إخضاع المستضعفين لحكم ولي الأمة غالبا ما يرافقها عنف، على غرار “آلام المخاض”، وهي التسمية التي اطلقتها وزيرة خارجية أميركا السابقة كوندوليزا رايس على “حرب تموز” 2006، وهو مخاض يفترض ان يسبق ولادة الديموقراطية والسلام والبحبوحة والعيش الرغيد.

لكن لا الديموقراطية جاءت من واشنطن، ولا حرية المستضعفين جاءت من ايران، ولو اخذنا عينة من الدول العربية، مسرح التجارب والسباق بين “الديموقراطية” الاميركية و”المقاومة” الايرانية، لرأينا ان الاثنتين، بالتنسيق او بالتنافس، حولتا مدن العرب الى ركام، فيما تستمر عملية “اجتثاث” البعث والارهابيين.

محزنة هي صور مدن العرب، من غزة الى داريا، ومن حلب وعين العرب الى الرمادي وتكريت، ركام فوق ركام. فرّ العرب من حمم الموت التي تصبها أميركا وروسيا واسرائيل من السماء، ومن الموت الذي تسلطه عليهم ميليشيات المستضعفين على الأرض. فلسطينيون، عراقيون، واليوم سوريون صاروا يشكلون اكبر الجاليات المغتربة حول العالم. مهندسون واطباء ومثقفون وفنانون وتجّار واعضاء برلمان، من بغداد ودمشق والقدس وحلب والموصل، يستجدون الحياة من بين انياب التشرد والنسيان في مدن العالم، يقودون سيارات اجرة، يدفعون عربات بيع مأكولات، يعيشون في الدين والعوز. 

مبروك على العرب تحرير بغداد من البعثيين، ومبروك عليهم تحرير حلب من الارهابيين، ومبروك عليهم تحرير بيروت من العملاء، ومبروك على العرب تحرير رفح ومعابرها من أنفاق كسر الحصار الاسرائيلي. شعوب عربية محررة تحت اقدام العسكر، واشباه العسكر، ومدعي العسكر.

سيتذكر التاريخ ان العالم كال بمكيالين، وانه اطاح ببعث واحد، وحمى البعث الآخر. سيتذكر العرب انهم يوم رفعوا السلاح ضد جلاديهم، اسماهم العالم ارهابيين، وانه عندما رفع جلادوهم السلاح في وجوههم، اسمى العالم الجلادين “دولة” و”حضارة” و”حرية أقليات”.

وسيتذكر التاريخ ان بعثيي صدام والأسد وارهابييهم لم يهجروا مدن الركام التي هجرها أهلها. سيتذكر التاريخ انه يوم إدعى العالم نيته اجتثاث البعث العربي، اجتث الشعب العربي بدلا منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق