الجمعة، 24 فبراير 2017

جنرالات ترامب يعادون ايران... بواقعية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أكمل تعيين الرئيس دونالد ترامب الجنرال ايتش آر ماكماستر مستشاره للأمن القومي التشكيلة الرئاسية المعنية بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، لينضم الى وزيري الدفاع جايمس ماتيس والأمن القومي جون كيلي. وفي ظل تراجع دور وزارة الخارجية على مدى العقود الماضية، امام صعود «مجلس الأمن القومي» التابع للبيت الابيض، والذي صار صاحب الكلمة العليا في السياسة الخارجية، وفي ظل تعيين ترامب لهاو في السياسة الخارجية هو ريكس تيلرسون، الذي يأتي من عالم الطاقة بعد ادارته شركة «اكسون» العملاقة، صار مؤكدا ان السياسة الخارجية الأميركية في زمن ترامب ستكون في قبضة جنرالاته الثلاثة.

وبدت اولى بوادر صعود الجنرالات وتراجع المدنيين في مؤتمر ميونيخ المنعقد قبل ايام، والذي شهد مشاركة ماتيس ونائب الرئيس مايك بنس، وغياب تيلرسون. وفي وقت لاحق، طار ماتيس، لا تيلرسون، الى بغداد، في اول زيارة لمسؤول أميركي رفيع الى العراق في عهد ترامب.

وجنرالات ترامب الثلاثة يعتقدون ان ايران تشكل مشكلة في منطقة الشرق الاوسط.

ماكماستر وماتيس سبق ان خدما في المارينز في العراق، ويعزو الاميركيون الى ماكماستر مشاركته في استنباط وتصميم خطة «زيادة القوات» والتحالف مع عشائر غرب العراق السنية، وتجنيدها في اطار «قوات الصحوات». وكان ماكماستر قائدا للمارينز في بلدة تلعفر القريبة من الحدود العراقية - السورية، وهو يعرف الارض التي تدور عليها الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) جيدا، ويعرف العشائر وزعماءها ومناطق انتشارها.

ومثل زملائه ممن ادوا خدمتهم العسكرية في العراق، يعتقد ماكماستر ان دور ايران مزعزع للاستقرار في العراق وعموم المنطقة، وهو كان من اول مؤيدي اعادة تشكيل الصحوات بموجب الخطة التي اقترحها رئيس الاركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي ابان بدء تشكيل التحالف الدولي العسكري ضد داعش في العام 2014. ولا يعتقد ماكماستر انه يمكن تثبيت غرب العراق او شرق سورية من دون التعاون مع العشائر السنية المنتشرة فيها، وينقل البعض انه كان من مؤيدي تسليح المعارضة السورية المسلحة، يوم أيد التسليح رئيسه السابق في العراق ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) دايفد بترايوس، وكذلك فعلت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، لتصطدم دعوة ديمبسي وبترايوس وكلينتون برفض قاطع من الرئيس السابق باراك أوباما.

ويوم حاولت واشنطن اعادة احياء «قوات الصحوات» العشائرية السنية غرب العراق، رفض رئيس حكومة العراق حيدر العبادي، ومن ورائه طهران، اي عملية تسليح لميليشيات في العراق من دون المرور بوزارة الداخلية العراقية، فلم تنجح واشنطن في تسليح العشائر السنية ولا ميليشيات البيشمركة الكردية.

وامام اصرار ايران وميليشياتها احتكار الهجوم العسكري في المناطق السنية العراقية، اذعنت واشنطن، وقدمت غطاء جويا للميليشيات العراقية عن طريق التنسيق مع حكومة العبادي. كذلك، اضطرت واشنطن لاستبدال ارسال مدربين عسكريين لإعادة تشكيل «الصحوات» بمستشارين لتدريب القوات النظامية العراقية، والمشاركة في ادارة عملياتها ومعاركها ضد داعش.

هكذا، تحول المستشارون العسكريون الاميركيون الى ضيوف لدى ايران وميليشياتها في العراق، ووجد أوباما نفسه مجبرا أكثر على مسايرة ايران، خصوصا في سورية، فانهارت خطط تدريب المعارضة السورية المعتدلة بعدما فرض فجأة، مجلس الأمن القومي على القيادة الوسطى في الجيش الاميركي، والجنرال مايكل ناكاتا الذي كان مكلفا تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، توقيع المعارضين وثائق يتعهدون فيها قتال «داعش» فقط، وهو ما ادى الى انهيار البرنامج، الذي لم ينضم اليه اكثر من 15 ألف مقاتل سوري.

لكن مع خروج أوباما من الحكم ودخول ترامب، الذي يعلن معاداته ايران ليل نهار، وبوجود تشكيلة من الجنرالات المخولين وضع سياسة أميركا الدفاعية والخارجية، من المرجح ان تحاول واشنطن العودة الى خططها السابقة، والقاضية بتسليح الميليشيات السنية، واعادة خلق توازن سني - شيعي في المنطقة.

واعادة التوازن السني - الشيعي هي النصيحة التي قدمها جايمس بايكر، وزير الخارجية الأسبق، الى الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، يوم سلمه تقرير بايكر - هاملتون لتثبيت الأمن في العراق. يومها قال بايكر لبوش ان مشكلة حرب العراق انها اطاحت بالتوزان السني - الشيعي الذي امضت اميركا الثمانينات والتسعينات في تثبيته، وان الحل يكمن باعادته. وفعلا، سلّم بوش العراق الى أوباما بعد ان اعاد التوازن الطائفي داخل البلاد، وتاليا انخفض منسوب التوتر في العراق وعموم المنطقة.

الا ان أوباما عاد واخلّ بالتوازن بتفضيله ايران الشيعية على العرب السنة، فانهار العراق مرة اخرى، على رغم محاولات الجنرالات الذين نجحوا في تثبيته، مثل بترايوس وماتيس وماكماستر وجون آلن، دفع أوباما الى التراجع عن خطة «التسوية الكبرى» مع ايران، والعودة الى سياسات موازنة القوى المختلفة.

فهل يعيد جنرالات ترامب التوزان الشيعي - السني الذي خلّفه بوش واطاح به أوباما؟ الدلائل تشير الى ان الجنرالات سيسعون الى اعادة التوازن، لكن العملية معقدة، اذ ان سحب المستشارين العسكريين الاميركيين من العراق قد ينسف التقدم ضد داعش ويعكسه، فيما العودة الى موازنة ايران قد يضع سلامة هؤلاء المستشارين الاميركيين في خطر.

«الواقعية» هي التي ستحكم سياسات جنرالات ترامب، حسب مصدر رفيع في وزارة الدفاع الأميركية، وهو ما يعني ان الجنرالات سيسعون الى اعادة التوازن السني - الشيعي في الشرق الاوسط، لكن ببطء مشوب بواقعية وتحين الفرص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق