الجمعة، 24 فبراير 2017

حرب السيسي على الاسلام

حسين عبدالحسين

لفتنا الشهر الماضي إقحام وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون، اثناء جلسة الاستماع المخصصة للمصادقة على تعيينه، اسم“الاخوان المسلمين” ضمن التنظيمات الارهابية التي تنوي ادارة الرئيس باراك ترامب القضاء عليها، رغم ان “الاخوان” ليس على لائحة التنظيمات الارهابية الاميركية. واعتقدنا وقتذاك ان خطوة تيلرسون لم تكن صدفة، بل انها وشت بنية ترامب شن حرب على “الاخوان”.

ومنذ ذلك اليوم، ذاعت اخبار نفر من الديبلوماسيين العرب، يتصدرهم مصريون، ممن يسعون لدى ادارة ترامب لاقناعها باضافة “الاخوان المسلمين” الى لائحة الارهاب الاميركية، وهو سعي لاقى معارضة من كبار الباحثين المعنيين بالشؤون المصرية، وفي طليعتهم اريك تراغر، من “معهد شؤون الشرق الادنى” ذات التوجه اليميني القريب من حزب ترامب الجمهوري. الخبراء الاميركيون، على اختلاف مذاهبهم السياسية، لا يرون حكمة في وضع “الاخوان” على لائحة الارهاب لاسباب متعددة، منها عدم مطابقته المواصفات القانونية الاميركية المطلوبة لتصنيف التنظيم ارهابياً، ومنها التباين بين تنظيمات مثل الاخوان، واخرى متطرفة مثل “القاعدة” و”داعش”. 

لكن المصريين من مؤيدي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وديبلوماسييه، يكررون انهم وحدهم من يفهمون “خطر الاخوان”. وفي جلسة مغلقة في واشنطن، قال مسؤول عربي ان السيسي هو اكثر من يعلم مساوئ الاخوان ونياتهم الارهابية، فرد عليه أميركي بالقول: “وهل كان السيد السيسي يعرف مساوئ الاخوان يوم وقف امام (الرئيس المصري السابق محمد) مرسي وأقسم اليمين وزيراً للدفاع؟”

طبعا الاميركيون ممن عايشوا فترة الثورة المصرية، والانقلاب الذي تلاها، يعلمون ان الاحداث المتتالية في مصر كانت عبارة عن إنقلاب أول، تلاه إنقلاب ثان. فالرئيس السابق حسني مبارك لم يعلن إستقالته ابدا، بل ان واشنطن — بالتنسيق مع فريق الجنرالين حسين طنطاوي وسامي عنان — اجبرت مبارك على تعيين مدير الاستخبارات المصرية الراحل عمر سليمان نائًبا له. بعد ذلك، ناول العسكر سليمان بيان إستقالة مبارك، فقرأه، وتسلم العسكر السلطة. لكن فريقاً آخر من الجيش المصري تعاون مع “الاخوان المسلمين”، الذين كانوا قد فازوا بالحكم في صناديق الاقتراع، للاطاحة بطنطاوي. وكان الفريق العسكري المصري الآخر المتعاون مع “الاخوان” بقيادة السيسي، الذي لم يلبث ان إنقلب على “الاخوان المسلمين”، واطاح بهم، وإنفرد بالحكم.

ومع وصول ترامب الى الرئاسة الاميركية، يعتقد السيسي انه أمام فرصة للقضاء كليا على “الاخوان”، وهو لذلك يقدم “خبرته” عن خبث هذا التنظيم، ويقدم “إسلامه” المعتدل كبديل عن إسلام التنظيم. وفي هذا السياق، وبسعي ديبلوماسي عربي، نشرت إحدى أكبر الصحف الاميركية مقالة مطولة عن أمر السيسي للأزهر بتعديل وتطوير تعاليمه، وهي مقالة صبت في خانة فريق ترامب، المؤيد الاكبر للسيسي كحليف لأميركا، من بين ثلاث دول عربية، في حربها على الاسلام.

وهنا نقول حرب ترامب على الاسلام، لا على الاسلام السياسي او التنظيمات الاسلامية المعتدلة او المتطرفة. وسبب قولنا هذا يعود الى الهرطقة التي يبثها العرّاب الفكري لحرب ترامب على الاسلام، وهو باحث اكاديمي مجري - بريطاني - اميركي يدعى سبستيان غوركا، وهو يعمل حاليا مساعداً لمستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية، العنصري الابيض المتطرف ستيفن بانون. وغوركا، الذي يطل غالبا على قناة فوكس اليمينية والذي يحاضر في الكليات العسكرية الاميركية، يعلن ان مشكلة أميركا والغرب هي مع “النص الاسلامي” الوارد في القرآن، وان حل مشكلة “الارهاب الاسلامي المتطرف” يكمن في تعديل هذه النصوص.

وغوركا لا يعرف العربية، وكل معلوماته عن الاسلام مستقاة من مصادر غربية مترجمة عن العربية، وهو لم يسبق ان زار دولا اسلامية او عربية، ولكنه مع ذلك، ينصب نفسه خبيرا في شؤون الاسلام والارهاب المنبثق عنه. ويعلن غوركا ان الاسلام، مثل الشيوعية التي كافحها والده الكاثوليكي في المجر، هي عقيدة توتاليتارية يجب التخلص منها، وهو اعلان يشبه قول مستشار ترامب للأمن القومي، المعزول مايكل فلين، الذي قال يوما ان الاسلام ليس ديناً، بل واجهة لعقيدة سياسية متطرفة.

ومن ترامب وغوركا وبانون وفلين يشعّ العداء، لا ضد “الاخوان المسلمين” والتنظيمات الاسلامية فحسب، بل ضد المسلمين انفسهم، وضد دينهم بكل تفسيراته ومذاهبه، فتمتلئ مواقع اليمينيين الاميركيين بمقالات عن كيف تنص التعاليم الاسلامية على ارتكاب “جريمة الشرف” (وهي لا تنص على ذلك)، او كيف يحرض النص القرآني على “قطع رؤوس” الاعداء المسيحيين (لا يرد ذلك في كتاب المسلمين).

ومن يشوهون الاسلام من الاميركيين والاوروبيين يتمتعون بصداقة السيد السيسي وبعض العرب، وهي صداقة تمنح مصداقية لكل التزييف الذي يقوله ترامب وغوركا وصحبهم عن الدين الاسلامي، وهو ما يحوّل حرب السيسي ضد خصومه السياسيين، اي “الاخوان”، الى حرب اميركية ضد الاسلام نفسه.

ربما لا يعرف السيسي ان حربه الصغيرة داخل مصر تغطي حربا كبيرة في الولايات المتحدة واوروبا. وربما يعتقد السيد السيسي ان العالم مثل مصر، يمكن استخدامه كعصى ضد خصومه، ثم الانقلاب عليه. لكن أميركا ليست مصر وترامب ليس مرسي، وكلّما ادرك السيسي وبعض العرب ذلك، كلما كان ذلك في مصلحتهم، وفي مصلحة العرب والمسلمين، واميركا والعالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق