الاثنين، 27 فبراير 2017

أميركا: القطاع الزراعي يعاني تراجع الصادرات

واشنطن - حسين عبدالحسين

وكأن الولايات المتحدة لا يكفيها تدهور قطاع الصناعة لوحده، المستمر في التراجع منذ نهاية سبعينات القرن الماضي والذي أنتج ما بات يُعرف اليوم بـ «حزام الصدأ» في الولايات التي نهضت في الماضي بسبب ازدهار الصناعة فيها، يعاني «حزام المزارع» الأميركي اليوم أيضاً من تقهقر وتقلص. وتعود أسبابه الكثيرة إلى الاحتباس الحراري أولاً، الذي سمح بزرع مساحات واسعة كانت متجمدة حتى الماضي القريب مثلاً في روسيا، وتطور التقنيات الزراعية التي أتاحت لمعظم الدول مضاعفة إنتاجها والتحول من دول زراعية مستوردة إلى مصدرة. وبسبب التغييرات في السوق العالمية، تدنّت حصة الولايات المتحدة في السوق العالمية للحبوب من 65 في المئة في منتصف السبعينات إلى 30 في المئة اليوم.

وعلى عكس قطاع الصناعة، حيث تتمتع النقابات العمالية بنفوذ سياسي واسع حملت الرئيس دونالد ترامب إلى بناء حملته على وقف تدفق اليد العاملة الوافدة الشرعية منها وغير الشرعية، بهدف توفير فرص عمل صناعية للأميركيين وحدهم، لا يتمتع مزارعو الولايات المتحدة بنفوذ سياسي يُذكر، ما عدا قطاعات إنتاج محاصيل محددة، مثل مزارعي الذرة الذين يتمتعون بدعم واسع من الحكومة الفيديرالية.

والزراعة على عكس الصناعة تتنوع في أساليبها، فبعضها يعتمد على المكننة في شكل شبه كامل، فيما يتكل بعضها الآخر على اليد العاملة خصوصاً في مواسم القطاف، ما يعني أن وعود الرئيس ترامب بالحد من تدفق اليد العاملة الاجنبية تؤذي عدداً كبيراً من القطاعات الزراعية.

وفي سياق الحد من اليد العاملة غير الأميركية، أرسلت إدارة ترامب الشرطة الفيديرالية التابعة لمكتب الهجرة لمطاردة العمّال المقيمين في شكل غير شرعي، وبلغ عدد المرحّلين في الأيام العشرين الأولى من عمر الإدارة، 683 عاملاً. وتسببت حملة ترامب ضد العمال الأجانب بإحجام عدد كبير منهم عن التنقل، حيث التزموا بيوتهم أو الأماكن التي يتسنى لهم فيها البقاء بعيداً عن أعين رجال مكتب الهجرة. وبسبب وعود ترامب بخفض الضرائب الأميركية قياسياً، وتحديداً على الشركات من 35 في المئة حالياً إلى 15 في المئة فقط، وبالتخلص من عدد كبير من القوانين الأميركية الناظمة للسوق، وبسبب إنفاق تريليون دولار على تحديث البنية التحتية وترميمها على مدى العقد المقبل، شهدت أسواق المال صعوداً أطلق عليه العاملون فيها اسم «فقاعة ترامب». وأدى ارتفاع الأسهم المالية الى ازدياد الدولار في مقابل العملات العالمية.

وهكذا، مع إحجام العاملين الأجانب عن المشاركة في سوق العمل خصوصاً المزارع، ارتفع سعر اليد العاملة الأميركية في شكل غير مسبوق، ما رفع تكلفة الإنتاج على المزارعين الأميركيين. ترافق ذلك مع زيادة في قيمة الدولار، ما جعل الصادرات الزراعية الأميركية أقل تنافسية في السوق العالمية.

وفي ظلّ العناصر التي تشكل «العاصفة المثالية» ضد قطاع الزراعة الأميركي، توقعت دراسات اقتصادية صادرة حديثاً، أن يتراجع معدل مدخول مزارعي الولايات المتحدة 9 في المئة هذه السنة مقارنة بالعام الماضي، وهي السنة الرابعة على التوالي التي تتدنى فيها مداخيل المزارعين، ما يجبر عدداً كبيراً منهم على التوقف عن ممارسة المهنة.

ويستمر تقهقر قطاع الزراعة الأميركي منذ منتصف القرن الماضي على الأقل. وكانت الزراعة بدأت التراجع لمصلحة قطاع الصناعة الصاعد، وما لبث الأخير أن بدأ يهبط مع نهاية السبعينات، لمصلحة قطاع الخدمات. وهكذا، شهدت الولايات المتحدة مع حلول عام ٢٠١٥، هبوطاً بواقع 24 في المئة في المساحة المزروعة فيها، والتي بلغت 912 مليون هكتار، وهي الأدنى منذ منتصف القرن التاسع عشر. وفي وقت يتقهقر «حزام المزارع» الأميركي بسبب سياسات ترامب، المفترض أنها تسعى إلى دعم الصناعة وتقليص «حزام الصدأ»، لا يبدو أن سياسات ترامب القاضية بالتعييب على الشركات الأميركية التي تنقل مصانعها الى دول غير الولايات المتحدة تجدي.

وفي هذا السياق، أعلنت شركة «ريكسنورد» الصناعية نيتها نقل ٣٥٠ وظيفة من أميركا إلى المكسيك، ضمن اطار خطة تقضي بتوفير 30 مليون دولار سنوياً. كما تبحث شركة «كاتربيلر» والتي يجلس مسؤولوها على طاولة المجلس الاقتصادي الذي عيّنه ترامب، في إمكان نقل عدد من مصانعها في الولايات الأميركية الجنوبية إلى المكسيك المجاورة، كجزء من عصر النفقات وزيادة الأرباح.

«نمو اليد العاملة يتباطأ في الولايات المتحدة»، قالت رئيسة الاحتياط الفيديرالي جانيت يلين. وأضافت أن هذا التباطؤ «هو واحد من أسباب كثيرة، مسؤولة عن نمو اقتصادنا بوتيرة بطيئة». واعتبرت في إطلالتها الأخيرة امام الكونغرس، انه «لطالما كانت الهجرة مصدراً مهماً لنمو القوة العاملة، لذا يشكل إبطاء وتيرة الهجرة على الأرجح، إبطاء نسب نمو الاقتصاد».

هذه هي الحكمة التي يجمع عليها الاقتصاديون، لجهة أن الاقتصادات الغربية والصين، صارت تعاني من شيخوخة السكان، التي تؤدي بدورها إلى رفع تكاليف اليد العاملة، وتالياً تكاليف الإنتاج، وتجعل من الصادرات أقل تنافسية حول العالم، ما يؤثر سلباً في نمو هذه الاقتصادات.

ولطالما شعرت أميركا بأنها تتمتع بنعمة إقبال المهاجرين عليها، وهي النعمة التي يبدو أن ترامب لا يفهمها، وانه بسبب شعاراته السياسية الشعبوية غير المدروسة، يمضي في الحد من توافد اليد العاملة على الولايات المتحدة بهدف حماية الصناعة، وهو بسياسته هذه يؤذي الصناعة ومعها قطاعات كثيرة، منها الزراعة والسياحة، إذ تبحث الفنادق عمَن يعملون في خدمة الغرف من دون أن تتحول أجرة الليلة في كل فندق الى مبلغ ضخم ينفر السياح ويبعدهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق