الثلاثاء، 28 فبراير 2017

فلترحل المعارضة السورية

حسين عبدالحسين

لم نكن نتصور أن قوة عالمية ستستخف بذكاء العرب كما فعلت الولايات المتحدة، وسيطة السلام المزعومة بين العرب والاسرائيليين، والتي تعين مبعوثيها للسلام، غالباً من اليهود الأميركيين المتدينين مثل دينيس روس وجارد كوشنر، فيما أعلنت واشنطن مؤخراً تعيين اليهودي الأميركي دايفد فريدمان، وهو من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، سفيراً لها في اسرائيل.

اليوم، أصبحت روسيا ومصر تضاهيان الولايات المتحدة في الاستخفاف بعقول العرب، وذلك بتنظيم كل من موسكو والقاهرة أزلامهما من المعارضين السوريين المزعومين في وفود، والإصرار على مشاركتهم في المفاوضات في مواجهة الرئيس السوري بشار الأسد. روسيا، التي تتدخل عسكرياً بشكل مباشر لمصلحة الأسد، ومصر، التي أعلنت حكومتها مرارا انحيازها للأسد، ترعى وفودا يفترض انها معارضة للأسد، وهي وفود سورية فقدت اي شعور بالكرامة، إذ انها لم تكلف نفسها عناء ابتكار تسميات لوفودها، بل اكتفت بتبني اسماء اسيادها: منصة موسكو ومنصة القاهرة.

مفهوم أن يلعب المعارضون السوريون، ممن قضوا أوقاتاً ممتعة في معتقلات الأسد الفاخرة (وهي غير المعتقلات الاخرى التي تلتهم السوريين)، أدواراً تقوض دور المعارضة السورية، ولكن من غير المفهوم هذا الفشل الرهيب والاداء المزري الذي يقدمه المعارضون السوريون الحقيقيون، الذين جلّ ما يفعلونه هو تقديم غطاء للأمم المتحدة، المنحازة للأسد، يظهرها وكأنها تسعى الى التوصل الى تسوية بين الطرفين.

لا يبدو أن المعارضين السوريين، الحقيقيين لا منصات عواصم العالم، يدركون المطلوب منهم، ولا يبدو انهم يعرفون ان دور المعارضة، اي معارضة، لا يقتصر على الانتقال بين ردهات الفنادق الفاخرة واستوديوهات البرامج الحوارية على الفضائيات. لا يبدو أن المعارضين يعرفون ان انجازاتهم وتأييد السوريين لهم يفرضهم على مؤتمرات السلام، في جنيف أو أستانة، وان شرعية تمثيلهم لا تأتي من دعوات المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا لهم للمشاركة في هذه المؤتمرات.

فليخرج المعارضون السورين من ردهات فنادقهم الفاخرة إلى مخيمات اللجوء. فلينظموا صفوف السوريين سياسياً، وليشاركوا في عملية إغاثة اللاجئين السوريين معيشياً وأمنياً وتعليمياً وتنظيمياً. فليعمل المعارضون السوريون على إحصاء سوريي الشتات في سجلات، ربما يمكن استخدامها كلوائح شطب في انتخابات حكومة منفى. فليجمع المعارضون السوريون التبرعات، من متمولي سوريا والعالم، وليوظفوا شركات تدقيق ومحاسبة لتقديم تقارير تثبت شفافيتهم وتبعد عنهم تهم الفساد والسفر في كابينات الدرجة الأولى.

ولتعمل المعارضة على لم شمل السوريين، مسلمين ومسيحيين وعلويين ودروز. ولتقدم خطاباً يتمحور حول الحرية والمساواة بين كل السوريين في سوريا الجديدة. ولا ضير من دفاع المعارضة عن التنظيمات الإسلامية، والتوجه الى العالم بطلب تحديد اسباب تسميته بعض الفصائل السورية المقاتلة أرهابية. المجموعات الإرهابية هي مجموعات عنفية غير حكومية عابرة للحدود، مثل داعش. لكن عندما ينحصر عنف المجموعة في موطن مقاتليها، تنتفي صفة الارهاب، وتكتسب المجموعة صفة "متمردين"، على غرار العراق الذي سعت أميركا فيه لتحييد "المتمردين العراقيين"، وأبعادهم عن "القاعدة" الارهابية العابرة للحدود. ثم تحالفت أميركا مع المتمردين ضد القاعدة لطرد الاخيرة من العراق.

إن كانت هذه الاقتراحات البسيطة متعذرة على معارضة كسولة ومعتادة على الثرثرة، في المقاهي وعلى الفضائيات، فلا ضير من التظاهر، كما يتظاهر الأسد وجماعته، إنهم أركان دولة تعمل. يسمي بشار الجعفري نفسه "الموفد الدائم للجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة"، وهو ما يشي بحرفية هي في الواقع وهمية. يتظاهر الأسد وكأنه يدير بيروقراطية جبارة، فيها مراسم رئاسة، ووزارات، ومجلس شعب، وإدارات، فيما الحقيقة هي أن الأسد يرأس نظاماً أمنياً، ويدير ميليشيات مرتزقة من الشبيحة.

لا خلاف في أن الأسد هو من أكثر المحظوظين في العالم، فهو عندما انتفض السوريون ضده، صدف أن الأميركيين طفح كيلهم من الحروب، وأن روسيا وجدت فجأة قوتها، وأن إيران حظيت برئيس أميركي عاملها بأفضل مما عامل حلفاءه. فوق كل حظوظ الأسد أن المعارضة المطالبة برحيله هي من أكثر معارضات العالم فشلاً، ما سمح له بالتفنن في تهميشها واختراقها والتلاعب بها. 

هكذا، إن كانت المعارضة السورية عاجزة عن تقديم أداء يختلف عن أدائها الحالي المزري، فلتعتزل، ولتترك أزلام موسكو والقاهرة يفاوضون حليفهم الأسد في أستانة وجنيف. لترحل المعارضة، بدلاً من أن تكون ورقة تين تغطي عورة العالم المتقاعس عن إنقاذ السوريين من المحرقة.

في المؤتمر الأول للمعارضة، وكان في أنطاليا التركية في ربيع 2011، كان المعارضون أنفسهم يجتمعون داخل صالات الفندق ويطلقون الخطابات الفارغة والمواقف السخيفة. أما في ردهات الفندق وحدائقه، كان الشباب السوري الثائر يعمل مثل خلية نحل. أقام الشباب يومها "صفحة الثورة السورية" على فايسبوك، وهي صفحة تحولت إلى مصدر أنباء ضاهى أكبر وكالات الإعلام العالمية. تواصل ثوار سوريا من الشباب مع تنسيقيات الداخل، شاركوا بدعم تنظيم التظاهرات، مالياً وإعلامياً. تواصلوا مع ممثلي المجتمع المدني الدولي، مثل جمعية "آفاز"، التي شارك ممثلون عنها في أنطاليا. 

تظاهر ثوار سوريا، غنّوا، رقصوا، رسموا، كتبوا، صوّروا، وزّعوا الورود، وماتوا. لا تليق المعارضة السورية الحالية بالثورة السورية، ولا بالثوار وتضحياتهم. للإنصاف، مازال بعض الثوار السوريين ينشطون بعيداً عن المعارضة، ولكن هؤلاء الناشطين لم يعودوا في سوريا، بل صاروا خارجها، يشاهدون سوريا تحترق والسوريين يموتون. يبكون، ونبكي معهم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق