الأربعاء، 8 فبراير 2017

ترامب يواصل سياسة أوباما الخارجية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ما زال الرئيس الاميركي دونالد ترامب على سجيته في تصريحاته ومراسيمه الاشتراعية المثيرة للجدل.

لكنه على ارض الواقع يبدو انه يستكمل السياسة الخارجية لسلفه باراك أوباما، التي لم تفترق كثيرا بدورها عن سياسة الرئيس الاسبق جورج بوش الابن، وهو ما يثبت انه في ما خص السياسة الخارجية، يندر ان تنقلب واشنطن على نفسها، في ما عدا حالات نادرة.

اما ابرز المؤشرات التي تدل على استمرارية السياسة الخارجية الاميركية على ما هي عليه، فجاءت مع ترشيح ترامب اليوت ابرامز، نائبا لوزير الخارجية، وهو ترشيح يتوقع ان يشهد نقاشا حاميا في جلسة الاستماع المخصصة للمصادقة عليه في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، على رغم اعتقاد غالبية المتابعين ان المصادقة نفسها ستمر بسهولة وبموافقة غالبية المشرعين من الحزبين.

ولابرامز تاريخ طويل في السياسة الخارجية يعود الى الثمانينات وزمن الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، وارتبط اسم ابرامز بفضيحة «ايران كونترا غايت»، والتي شهدت زيارة سرية قام بها مستشار الأمن القومي بد ماكفرلين الى طهران والتقى الشيخ حسن روحاني، رئيس ايران الحالي. ومقابل بيع واشنطن اسلحة الى ايران، اوعزت الاخيرة الى حلفائها في لبنان الافراج عن رهائن غربيين كانوا يحتجزونهم. ثم استخدمت واشنطن عائدات الاسلحة المرسلة الى ايران لدعم ثوار «كونترا» في نيكاراغوا، وهو ما اعطى الفضيحة اسم «ايران - كونترا غايت».

وبسبب ارتباط اسم ابرامز بالفضيحة المذكورة، خشي الرئيس الاسبق جورج بوش منحه منصبا في وزارة الخارجية، وهو ما يتطلب موافقة مجلس الشيوخ، فعين بوش ابرامز مسؤولا عن ملف الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الابيض، وهو تعيين لا يتطلب مصادقة الكونغرس. وكان ابرامز من المحسوبين على الصقور ومن المقربين الى التيار الذي اكتسب اسم «المحافظين الجدد».

لكن على رغم تشدده في السياسة الخارجية، اشتهر ابرامز بدعمه الثابت لنشر الديموقراطية، وهو ما يجعل من تعيين ترامب له في واحد من اعلى ثلاثة مناصب في الخارجية اشارة الى تراجع ترامب عن بعض وعوده الانتخابية. ولشدة تمسكه بنشر الديموقراطية، كان ابرامز، الذي عمل باحثا في مركز ابحاث «مجلس الشؤون الخارجية» منذ انتهاء ادارة بوش الثانية في العام 2009 وحتى اليوم، في طليعة مؤيدي التظاهرات التي اكتسبت اسم «الربيع العربي».

وبسبب تمسكه بنشر الديموقراطية، وجد ابرامز نفسه في موقف متعارض مع اقرب اصدقائه، خصوصا من مؤيدي اسرائيل من الاميركيين. وابرامز نفسه من اصول يهودية، وهو من ابرز اصدقاء اسرائيل في واشنطن، لكنه افترق مع الاسرائيليين اثناء «الربيع العربي»، وكتب مرارا في دعم الثورات العربية، خصوصا في مصر، حيث تمسكت اسرائيل ببقاء الرئيس الاسبق حسني مبارك، وفي ما بعد أيدت الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، فيما عارضه ابرامز، ووقع على عرائض مع باحثين آخرين، من المحسوبين على الحزب الديموقراطي، طالبوا فيها ادارة أوباما بمحاسبة القاهرة لتجاوزاتها المتكررة في مجالي حقوق الانسان والحريات العامة.

وكان ابرامز من مؤيدي «انتفاضة الاستقلال»، التي اجبرت الرئيس السوري بشار الأسد على سحب قواته من لبنان بعد 29عاما على دخولها اليه. وابرامز من المسؤولين الاميركيين ممن زاروا بيروت، وممن عايشوا التطورات والاحداث التي رافقت التطورات اللاحقة بين العام 2005 و2009.

ويتعارض موقف ابرامز من الديموقراطية، خصوصا في مصر، مع موقف ترامب، الذي التقى السيسي في نيويورك قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية. ولطالما اثنى ترامب على السيسي، وأيد حملة السيسي ضد «الارهاب الاسلامي»، وهو ما يعني ان وجود ابرامز المحنك في ادارة ترامب قد يؤثر الى حد ما في مواقف ترامب وسياساته تجاه منطقة الشرق الاوسط.

اما الامر الوحيد الذي يتفق فيه ترامب وابرامز فهو المتعلق بايران وحلفائها في المنطقة. وكان ابرامز من ابرز المنتقدين لتهاون أوباما مع النظام الايراني، خصوصا ابان «الثورة الخضراء» في ايران العام 2009. وفي وقت لاحق، كان ابرامز من منتقدي الاتفاقية النووية مع ايران، رغم انه من غير المتوقع ان يتراجع ترامب، ولا ابرامز، عن الالتزام ببنود الاتفاقية الموقعة بين المجتمع الدولي وطهران.

ويأتي تعيين ترامب لابرامز في وقت ظهرت مؤشرات على تراجع ترامب عن ابرز وعوده في السياسة الخارجية، وتمسكه بالسياسات القائمة، تمثل في خطاب موفدته الى الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي اعتبرت ان لا تراجع عن العقوبات عن روسيا من دون تخلي الاخيرة عن شبه جزيرة القرم الاوكرانية. وفي وقت لاحق، اصدر المكتب الاعلامي للبيت الابيض بيانا اعتبر فيه ان الاستيطان الاسرائيلي في اراضي الفلسطينيين امر لا يشجع على السلام، وهو ما يعتبر تراجعا لادارة دأب رئيسها على الاصرار على نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس في الايام الاولى لادارته، وهو وعد يبدو انه انهار ايضا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق