الخميس، 9 فبراير 2017

موسكو «تتخلّى» عن ترامب وتعود إلى... طهران

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يدم شهر العسل الاميركي الروسي طويلا بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا، وهو الذي اجمعت وكالات الاستخبارات الاميركية ان موسكو سعت بجهد لانجاحه في الانتخابات. وعلى اثر وصول ترامب الى البيت الابيض، اعتبرت روسيا ان الولايات المتحدة انقلبت في سياستها الخارجية، وان الانقلاب الاميركي من شأنه تعديل موازين القوى في العالم، بما في ذلك في الشرق الاوسط، فيسمح لموسكو بسط سيطرتها، على حساب حلفائها، مثل ايران، خصوصا في سورية.

وانتظرت روسيا الانقلاب في الموقف الاميركي تجاه موسكو، لكن الانقلاب لم يأت، بل جاء تكريس ترامب لسياسة سلفه باراك أوباما، خصوصا تجاه الروس، فأطلت الموفدة الاميركية الجديدة الى الأمم المتحدة نيكي هايلي لتقول ان بلادها لن ترفع العقوبات عن روسيا ما لم تتخل الاخيرة عن احتلالها وضمّها لشبه جزيرة القرم الاوكرانية.

تصريح هايلي كان بمثابة الرصاصة القاتلة التي انهت الود الموجز بين واشنطن وموسكو، فتراجعت روسيا عن آمالها في الاستيلاء على سورية، بمباركة أميركية، وعاد الروس لاعتبار انهم والايرانيين في صف واحد في مواجهة الاميركيين.

هكذا، تحين الروس فرصة لم تتأخر، وجاءت على لسان ترامب نفسه، الذي وصف ايران بأنها الراعية الاولى للارهاب في العالم. وعلى رغم قول ترامب في المقابلة نفسها ان واشنطن تسعى للتعاون مع موسكو، الا ان الروس تلقفوا كلام ترامب لتقديم افتراقهم عن أميركا في الموضوع الايراني، فقال المسؤولون الروس انهم لا يعتبرون ايران دولة ارهابية، بل انهم يرونها «شريكة تجارية وديبلوماسية وعسكرية» لروسيا.

وتصريح ترامب ضد ايران لم يكن الاول من نوعه، لكن ردة الفعل الروسية ضد تصريحات ترامب بخصوص ايران والارهاب كانت الاولى من نوعها، وهي تصريحات على الارجح سببها موقف أميركا في الأمم المتحدة حول القرم، لا تصريحات ترامب تجاه ايران. لكن موسكو استغلت تصريحات ترامب الاميركية لاظهار ان روسيا عادت للافتراق عن أميركا، وربما ادرك الكرملين ان انتخاب ترامب لن يعود على الروس بالفوائد التي كانوا يعتقدونها.

الافتراق الاميركي - الروسي، خصوصا في سورية، لا يعني بالضرورة عودة الرئيس بشار الأسد والقوات المتحالفة معه الى الهجوم، خصوصا في محافظة ادلب، الوحيدة المتبقية تحت السيطرة الكاملة للمعارضين للأسد ونظامه، اذ ان حسابات موسكو في سورية ليست مرتبطة بالاميركيين وحدهم، بل بالاتراك كذلك، وتحسن العلاقة الروسية - التركية يشي بأن وقف النار الساري في غالبية المناطق السورية قد يستمر، وان بهشاشة.

والافتراق الروسي - الاميركي يصب في خانة «الاخبار الجيدة» بالنسبة للايرانيين، فهم كانوا سيجدون انفسهم في وجه جبهة عالمية موحدة ضدهم، يقودها ترامب المتهور بتحريض من الاسرائيليين. لكن توزيع ترامب عداءه على الايرانيين والروس يعني ان موسكو وطهران ستستمران في تحالف الضرورة الذي يسيران فيه، منذ فترة، لاخراج الاميركيين من الشرق الاوسط واضعاف حلفاء واشنطن، قبل ان تجد القوتان الروسية والايرانية نفسيهما في مواجهة من اجل تقسيم المكاسب في المنطقة.

صحيح ان الايرانيين كانوا في موقع افضل في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، الذي حقق تقاربا غير مسبوق بين واشنطن وطهران، الا انه مازال يمكن لنظام الجمهورية الاسلامية مواجهة ترامب، الذي يستعديها، بسبب استعداء ترامب روسيا كذلك.

ختاما، اسرائيل تحرّض ترامب وادارته على خوض مواجهة ضد ايران، لكن لا يبدو ان ترامب مستعد للانخراط في مواجهة فعلية مع الايرانيين، غير التهديدات الكلامية، بسبب المزاج الشعبي الاميركي المعارض للحروب على انواعها. لذا، رأينا سقف تهديدات ترامب ومجموعته ضد ايران يتمثل باعلان عقوبات على بعض الكيانات المرتبطة بنظام طهران، ولكنها عقوبات تعرف ادارة ترامب انها لا تؤثر في الايرانيين، ولا في مجرى المواجهة المزعومة التي ينوي الرئيس الاميركي، او اسرائيل، شنّها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق