الاثنين، 27 مارس 2017

غارات إسرائيلية لحماية الأسد

حسين عبدالحسين

تعتقد إسرائيل أن مصالحها تقضي ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في الحكم، ولكنها تتمنى لو أن الأسد يعدّل من مواقفه قليلاً، فيبتعد عن إيران، وينخرط في مفاوضات تفضي إلى معاهدة سلام معها، يستعيد بموجبها هضبة الجولان، ويتحول إلى شرطي صالح، يسهر على أمن إسرائيل، وينال حظوة لدى المجتمع الدولي وبعض المنح المالية.

هذه الفكرة الإسرائيلية ليست وليدة الأمس، بل هي تعود إلى الضوء في كل مرة تشعر إسرائيل أن الأسد في مأزق، وأنه يمكنها إخراجه منه مقابل ابتعاده عن إيران. في عام 2009، أدارت إسرائيل سياسة "الانخراط مع الأسد" التي تبنتها واشنطن، حتى أنها كسرت العزلة الدولية التي كانت مفروضة على الأسد، على إثر مقتل رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري عام2005، بانخراطها في مفاوضات غير مباشرة معه.

لكن الأسد عرف أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان يفترق عن إسرائيل، وأنه ليس بحاجة الى منّة إسرائيلية لنيل حظوة أميركيين. ثم إن أوباما ذهب إلى طهران مباشرة، وعندها لم يعد للأسد قيمة إقليمية تذكر، فتحول أكثر إلى "رجل إيران"، التي هبّت لإنقاذه من التظاهرات ضد حكمه عام 2011، وخاضت معه حرباً شعواء ضد السوريين لإبقائه في الحكم، فازداد اعتماد الأسد على نظام طهران وحلفائها في لبنان والعراق.

بعد خروج أوباما، صديق إيران، من الحكم وحلول دونالد ترامب مكانه، عادت واشنطن في يد إسرائيل، التي باشر رئيس حكومتها في استئناف خطة "الانخراط عن الأسد" مجدداً؛ وهذه المرة تقضي الخطة أيضاً كسابقتها، باستقطاب الأسد بعيداً عن إيران وفصلهما، وهذا في الاعتقاد الإسرائيلي خطوة كبيرة لإضعاف إيران و"حزب الله" في لبنان.

إبعاد الأسد عن إيران يتطلب تقليص اعتماده العسكري عليها، مع ما يعني ذلك من محاولة طرد الميليشيات الموالية لإيران من سوريا. طبعاً، طرد هذه الميليشيات ليس نزهة، وإسرائيل غير مستعدة لإرسال جنودها إلى الأرض السورية. لكن إسرائيل مستعدة لتوسيع خطوطها الحمراء أبعد من المنطقة الجنوبية، والتي كانت تحظر بموجبها على إيران و"حزب الله" التمدد جنوباً، أو إقامة بنية تحتية قتالية يمكن من خلالها تهديد أمن شمال اسرائيل.

هكذا كثّفت إسرائيل من غاراتها داخل سوريا، ووسعت نطاقها لتشمل تدمر، شمال شرق دمشق، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة الأولى عن هدف غارات إسرائيل، وقال إن بلاده تسعى لإبقاء إيران ومليشياتها بعيدة عن حدود إسرائيل.

وجاءت الخطوة الإسرائيلية بتنسيق كامل مع روسيا، التي زارها نتنياهو، واتفق مع رئيسها فلاديمير بوتين على أن إخراج إيران من سوريا هو في مصلحة تل أبيب وموسكو سوية، فخروج إيران من سوريا يضعف "حزب الله"، وهذا في مصلحة إسرائيل، ويجبر الأسد على التحول إلى تابع لروسيا بالكامل، من دون أن يكون لديه هامش الابتعاد عن موسكو بالاقتراب من طهران.

وحين كانت المقاتلات الإسرائيلية تقصف أهداف إيران و"حزب الله" داخل سوريا، كانت القوات الروسية تتسلم مناطق للمعارضة السورية كانت تحت الحصار، بدلاً من أن تتسلمها مليشيات إيران كما درجت العادة. وفيما كان نتنياهو يوسع دائرة الغارات الإسرائيلية شمالاً، كانت روسيا تسعى لتثبيت وقف إطلاق النار، أي وقف الميليشيات الإيرانية لإطلاقها النار، مع ما يعني ذلك من تحجيم دور إيران، وإبعادها عن الأسد في خطوة لاحقة.

إيران ردّت بالقول إن لا روسيا، ولا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولا قوى إقليمية أخرى غيرها، تمسك بالأسد، والدليل أنه للمرة الأولى، في تاريخ عائلة الأسد، ردّت القوات السورية على الغارة الإسرائيلية على مواقع إيرانية داخل سوريا بإطلاق صاروخ باتجاه إسرائيل. وفي وقت لاحق، أسقطت إيران والأسد طائرة استطلاع إسرائيلية فوق جنوب سوريا. بكلام آخر، تقول إيران لإسرائيل إنها لن تأخذ الأسد منها، من دون مواجهة عسكرية مكلفة للإسرائيليين.

هذه هي قصة الغارات الاسرائيلية داخل سوريا والرد السوري غير المسبوق، حسب رواية مصادر ديبلوماسية في العاصمة الاميركية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق