الجمعة، 7 أبريل 2017

ترامب يضع الخيار العسكري ضد الأسد على الطاولة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بعدما كان الرئيس السوري بشار الأسد قاب قوسين أو أدنى من الخروج من عزلته الدولية المفروضة عليه منذ العام 2011، فجّر الهجوم الكيماوي في خان شيخون بمحافظة إدلب الموقف الأميركي «المتسامح» وقلبه رأساً على عقب، وسط معلومات عن أن «كل الخيارات بما فيها العسكرية باتت على الطاولة».

وصدرت في الساعات القليلة الماضية مواقف حازمة من الإدارة الأميركية حيال «مجزرة الكيماوي»، حيث قال الرئيس دونالد ترامب في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في البيت الأبيض، مساء أول من أمس، إن الهجوم «تخطى خطوطاً عدة ما بعد الخط الاحمر»، وجعله يُغيّر موقفه من الأسد، فيما اعتبر وزير الخارجية ريكس تيلرسون (الذي يزور موسكو يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين)، أنه حان الوقت لكي تعيد روسيا النظر في دعمها النظام السوري.

وفيما لوّحت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هايلي بـ«تحرك أحادي» إذا فشل المجتمع الدولي في التحرك، أعلن نائب الرئيس مايك بنس عن موقف أكثر وضوحاً، بقوله «كل الخيارات متاحة».

ورغم أن ترامب رفض الافصاح عن استراتيجيته الجديدة، علمت «الراي» أن مداولات مكثّفة جرت في الساعات الاربع والعشرين الماضية، حاول فيها اللوبي المؤيد للأسد، وفي صفوفه عرب واسرائيليون، إقناع ترامب بأن لا براهين تثبت أن الأسد هو الذي يقف خلف الهجوم، وإنه إذا كان فعل ذلك فربما بسبب خوفه من انهيار قواته أمام «تقدم الإرهابيين» على الحدود بين محافظتي ادلب وحماة.

لكن التقارير المتداولة في واشنطن أكدت بما لا يحتمل الشك أن مقاتلة تابعة لطيران الأسد هي التي قصفت الصاروخ الكيماوي، وأن خمس رادارات في المنطقة (الرادار الروسي في سورية والأميركي والتركي والاسرائيلي والبريطاني في قبرص)، أظهرت أن النشاط العسكري الوحيد وقت الهجوم جاء من قوات الأسد.

وتؤكد المصادر الاميركية أن إثبات التهمة على قوات الأسد أسهل هذه المرة، لأن مقاتلة نفذت الهجوم، مقارنة بهجوم غوطة دمشق في أغسطس 2013، الذي تعتقد الوكالات الغربية أن قوات الأسد نفذته بالمدفعية.

ويبدو أن التضارب في موقف واشنطن من الأسد أحدث انقسامات كبيرة في صفوف إدارة ترامب، ترافقت مع إعلان البيت الأبيض إخراج المستشار الرئاسي للشؤون الاستراتيجية، اليميني المتطرف ستيفن بانون، من «مجلس الأمن القومي»، علماً أنه من أبرز المؤيدين للأسد ولحرب تحالف الأقليات «ضد المسلمين»، لا ضد المجموعات الارهابية المتطرفة فحسب.

ومع خروج بانون، تقترب إدارة ترامب أكثر من يمين الوسط في الحزب الجمهوري، وهذا تغيير يعني سياسة خارجية كما يراها «الصقور»، أي مواقف قاسية تجاه روسيا، واعتماد أكبر على القوة العسكرية. ومن المرج أن يسعى ترامب، الذي تواجه إدارته تحقيقات بشأن علاقتها بموسكو، لإظهار مواقف حازمة تجاه روسيا وحلفائها حول العالم لإبعاد شبهات تبعيته للروس.

وفي هذا السياق، تناقل العاملون في الكونغرس من الحزب الجمهوري ان «الحديث عن حملة عسكرية أميركية في سورية» قد بدأ فعلياً، وأن «كل الخيارات صارت الآن على الطاولة».

وتقول مصادر الكونغرس ان سورية تحولت كابوساً أرهق الإدارة السابقة، وعلى الادارة الحالية التعامل مع هذا الملف بحزم والتوصل الى حل حاسم حتى لا يتحول الأمر الى «مستنقع سياسي» يستهلك من رصيد الرئيس والحزب الجمهوري مع اقتراب الانتخابات النصفية العام المقبل.

وما قد يسهّل حصول ترامب على موافقة الحزبين لشن حملة عسكرية ضد نظام الأسد، قيام الديموقراطيين بشن هجوم واسع ضد ما وصفوه بتراخي ترامب تجاه هجوم خان شيخون، وهو ما يعني أنه في حال تحرك ترامب في سورية، سيجد الديموقراطيون أنفسهم مجبرين على تأييده.

ومساء أمس، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية تأكيده أن الخيار العسكري غير مستبعد في سورية، في حين ذكرت شبكة «سي ان ان» أن ترامب أخبر أعضاء في الكونغرس أنه يدرس التحرك العسكري.

وفي ختام جلسة عقدها مساء أول من أمس (وكالات)، أرجأ مجلس الأمن الدولي التصويت على مشروع قرار، قدمته واشنطن ولندن وباريس ورفضته موسكو، يدين الهجوم الكيماوي على خان شيخون.

وفي تحرك مقابل، قدمت روسيا، أمس، مسودة مشروع مضاد إلى مجلس الأمن.

وفي السياق، أعلن وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرولت أن باريس لا تزال تسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن، مشيراً إلى أن المفاوضات الديبلوماسية لها الأولوية على أي عمل عسكري.

وقال في تصريحات متلفزة «المرحلة الأولى هي التصويت على قرار، وقبل أي شيء إعادة بدء مفاوضات السلام في جنيف. يجب ألا نتحرك من أنفسنا، بحجة أن الرئيس الأميركي ربما غلى الدم في عروقه، ونصبح متأهبين للحرب».

وأكد أنه «سيأتي يوم يحكم فيه القضاء الدولي على بشار الأسد الذي يرتكب مجزرة بحق شعبه»، مشدداً على ضرورة ألا تبقى مجزرة خان شيخون من دون عقاب.

وفي موقف مشابه، أعلن وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون أنه يجب استصدار قرار في الأمم المتحدة قبل أي تحرك منفرد في سورية.

في غضون ذلك، أعلنت وزارة العدل التركية أنه «تم تشريح ثلاث جثث لاشخاص نقلوا من ادلب. ونتائج التشريح أكدت استخدام سلاح كيماوي»، فيما رجحت وزارة الصحة أن يكون «غاز السارين».

وقال وزير العدل بكر بوزداغ «التحقيق العلمي يؤكد أيضاً أن نظام الأسد استخدم أسلحة كيماوية»، مشيراً إلى ان عملية التشريح تمت بمشاركة أطباء شرعيين أتراك وممثلين عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة حظر الاسلحة الكيماوية.

وكانت روسيا حاولت تبرئة النظام من استخدام الكيماوي، بإعلانها أول من أمس أن طيران الأسد «قصف مستودعاً إرهابياً كبيراً بالقرب من خان شيخون» كان يحتوي على «مشغل لصنع القنابل اليدوية بواسطة مواد سامة».

وأمس، أكدت الخارجية الروسية أن اتهام دمشق باستخدام أسلحة كيماوية «مسألة سابقة لأوانها»، مشيرة إلى ضرورة إجراء تحقيق.

من جهته، أعلن الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن الأميركيين لا يملكون معلومات «موضوعية» عن «الجريمة الفظيعة».

وقال «مباشرة بعد المأساة لم يكن بوسع أي كان الوصول إلى هذه المنطقة» من محافظة إدلب التي تعرضت للهجوم، مضيفاً «بالتالي، إن أي معلومات يمكن أن تكون بحوزة الطرف الأميركي (...) لا يمكن أن تكون مبنية على مواد أو شهادات موضوعية».

واعتبر أنه «لم يكن ممكناً لأحد الحصول على معلومات موثوقة تعكس الواقع» بشأن «هذه الجريمة الخطيرة والفظيعة»، محذراً من أي «استنتاج متسرع» عما حصل.

وأضاف «نحن لا نوافق على التقييمات الصادرة» بشأن الهجوم، مشدداً في الوقت نفسه على أن استخدام الأسلحة الكيماوية «غير مقبول».وفي دمشق، أكد وزير خارجية النظام وليد المعلم أن دمشق «لم ولن تستخدم» السلاح الكيماوي ضد الشعب والاطفال، ولا حتى «ضد الارهابيين».

وبشأن تشكيل لجنة تحقيق دولية، قال المعلم ان «أي لجنة تحقيق يجب ان نضمن انها ليست مسيسة وانها ممثلة جغرافيا بشكل واسع وتنطلق من دمشق وليس تركيا».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق