الخميس، 11 مايو 2017

عن تعديل النصوص الدينية

حسين عبدالحسين

على مدى العقد الماضي، دأبت اوساط المثقفين الغربيين، وخصوصا اليمينيين، على تكرار مقولة ان مشكلة الارهاب تنبع من النصوص الدينية الاسلامية، وان الدين الاسلامي نفسه بحاجة الى ثورة اصلاحية، على غرار البروتستانتية الاوروبية، للخروج من الأزمة التي يعيشها، ولوضع حد للتحريض الذي يقوم به رجال دين مسلمون يغررون بالشباب الطائش. 

وابتلع جزء لا بأس به من العرب هذه المقولة، وتبنوها، وقدموا انفسهم كنخبة طليعية اصلاحية في مواجهة الاسلاميين، متطرفين منهم وغير متطرفين، حتى وجد الكثير من الاصلاحيين العرب انفسهم في احضان الانظمة الديكتاتورية، ووجدوا انفسهم يتماهون مع اكثر شخصيات العالم عنصرية، من المرشحة اليمينية الخاسرة في الانتخابات الفرنسية مارين لوبن الى رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو. ومن نافل القول ان لا المثقفين الغربيين، ولا نظراءهم العرب، ممن اشعلوا النقاش حول النصوص الاسلامية، حاولوا الالتفات الى نصوص أديان اخرى. 

هذا الشهر، من المقرر ان يزور الرئيس دونالد ترامب اسرائيل، وان يلقي خطابا في قلعة مسعدة المشرفة على البحر الميت. واختيار مسعدة، التي سبق لترامب الأميّ ان اقترح في الماضي اجراء مسابقة ملكة جمال الكون فيها، هو اختيار اسرائيلي لرمزية هذه البقعة في المخيلة الدينية والعسكرية اليهودية، اذ سيطر عليها مقاتلون يهود اثناء ثورتهم على الرومان العام ٧٠ قبيل الميلاد، قبل ان يستعيدها الرومان، ويتحول شعار “مسعدة لن تسقط مرة ثانية” الى الشعار الاكثر تحببا الى قلوب الصهاينة اليوم. واختيار مسعدة فيه رمزية للمستوطنين اليهود، اذ انها تقع في حدود “مملكة يهوذا” التاريخية، التي كانت تقوم على اراضي الضفة الغربية في القرن الميلادي الأول، وهي المملكة التي يسعى المستوطنون لاستعادتها وطرد الفلسطينيين منها، واستعادة الارض التي تعدهم بها التوراة. 

وموافقة ترامب على زيارة مسعدة ليس ممالأة لليهود الارثوذكس فحسب، وصهره ومستشاره جارد كوشنر منهم، بل هي هدية الفصائل “الانجيليين” اليمينيين الاميركيين، الذين يقرأون في نصوصهم الدينية ان عودة المسيح تحصل بعد قيام دولة اسرائيل، وبعد وقوع معركة “ارماجدون” في تل مجيدو، الواقع على بعد 30 كيلومترا شرق مدينة حيفا الساحلية. وفي هذا السياق، عكفت بعض كبرى الصحف الاميركية على نشر تحقيقات مطولة حول “عذابات” المستوطنين اليهود ممن اخرجتهم السلطات الاسرائيلية من مواقع في الضفة الغربية بسبب “عدم حصولهم على تراخيص حكومية”. 

يظهر هؤلاء اليهود على شكل عائلات، رمتهم حكومتهم خارج منازلهم ومدارسهم وقراهم، ووعدتهم باعادة توطينهم في مواقع اخرى، ولم تنفذ وعودها، وهم يرفضون السكن داخل اسرائيل لأنهم يصرون ان نصوصهم الدينية منحتهم حق السكن في الضفة. لا يرى بعض مثقفي الغرب، ولا اصدقاؤهم العرب، مشكلة في النصوص الدينية اليهودية والمسيحية، التي تحرّض على اقتلاع شعب بأكمله من مسقط رأسه، والاستيطان بدلا منه. 

لنفرض ان رئيس دولة عربي وقف في الخليل وقال ان المسلمين لن يخرجوا من ارض اجدادهم، وانهم سيقاتلون مثل صلاح الدين، كما يستعيد اليهود ملحمة مسعدة. كان اصدقاؤنا الغربيون، واصدقاؤهم العرب، اقاموا الدنيا على التحريض على العنف المنصوص عليه في كتب المسلمين وتاريخهم الدموي. 

النصوص الدينية نصوص كغيرها، والتعامل معها محكوم بثقافة وزمان قارئيها. اما السؤال فهو: كيف انقلبت الصداقة بين المسلمين واليهود عداء؟ كيف سكن الملك فيصل الأول في بيوت اليهود على ضفاف دجلة، وعيّن اليهودي ساسون حسقيل وزيرا لماليته؟ كيف أمدّ المصرفيون اليهود حكومة العراق الفتية بالديون اللازمة لبناء مؤسسات الدولة؟ ومن اخرج اليهود من العراق في الخمسينات؟ 

التاريخ المتداول يشير الى ما يسمى “عملية الفرهود”، التي شهدت عنفا عراقيا اجبر اليهود على التخلي عن جنسيتهم العراقية والخروج من البلاد، حيث هاجرت غالبيتهم الى اسرائيل، الدولة اليهودية التي كانت تبحث عن يهود. 

صحيفة “واشنطن بوست” نشرت ان الشرطة الاميركية القت القبض على مايكل كادار، الذي قام بـ 245 اتصالا بدور عبادة ومؤسسات يهودية اميركية حملت تهديدات بالعنف وبوجود قنابل. وكشفت الشرطة ان وسائل كادار كانت على درجة عالية من الاحترافية لاخفاء هوية موقع اتصاله. وكادار يهودي أميركي هاجر الى اسرائيل ويسكن عسقلان، وتشي هجرته بأنه على الارجح ممن يودون دفع يهود العالم على “العودة” الى اسرائيل. 

على الفور، أطل اصدقاء اسرائيل ليؤكدوا ان الشاب يعاني امراضا عقلية، وقدموا وثيقة من الجيش الاسرائيلي تظهر رفض تجنيد كادار بسبب امراضه. كل التبريرات بدت مشكوك بصحتها، وهو ما يعيد الى الاذهان “فرهود” العراق ومحاولات اخافة اليهود، ودفعهم الى الهجرة الى اسرائيل والتقوقع فيها.

لو كان السيد كادار مسلما، لقامت الدنيا على بربرية العرب والمسلمين ومشكلة نصوصهم الدينية. اما ان تلقي الشرطة الاميركية القبض على ما يبدو شابا محترفا يعمل وفقا لاهداف سياسية واضحة، فتلك اعاقة عقلية وعمل فردي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق