الثلاثاء، 30 مايو 2017

شكوك حيال التزام ترامب بأمن الخليج بعد «تخلّيه» عن حلفائه الأوروبيين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عنوانان عريضان تصدرا النقاش الناجم عن سفر الرئيس دونالد ترامب، في ما أسماه رحلته «العظيمة الى الخارج». الأول هو عقد التسليح بقيمة 110 مليارات دولار مع المملكة العربية السعودية، وهو الذي حدا بترامب الى التباهي في تغريدة بالقول انه ذهب الى الشرق الاوسط وعاد «بمئات مليارات الدولارات»، وهي التي تعني «وظائف، وظائف، وظائف» للأميركيين، حسب الرئيس. العنوان الثاني هو تصريح المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الذي قالت فيه انه «لا يمكن لألمانيا بعد الآن الركون الى الولايات المتحدة لحمايتها».

في ما يتعلق بالعنوان الأول، لفت خبراء الى اعتبار ترامب أن رحلته إلى السعودية كانت بهدف الحصول على الأموال، فهو لم يتحدث في تغريداته عن متانة التحالف مع السعودية، أو عن سياسته في الشرق الاوسط، بل اقتصر تعليقه على موضوع الصفقة العسكرية، التي تتعرض بدورها لمساءلة في الكونغرس، الذي يحاول بعض أعضائه، من الحزبين، الإطاحة بها، أو على الأقل عرقلتها. ويعتقد المتابعون أن التشدد الذي أبداه ترامب ضد إيران لم يكن بسبب المواجهة المندلعة بينها وبين بعض الدول العربية، بل بسبب العداء الاسرائيلي للايرانيين، وتأييد ترامب المطلق لاسرائيل.

وفور عودة ترامب، حاول المعلّقون اليمينيون الافادة من رحلته بالاشارة الى أمرين: الأول هو أن ترامب حض العرب والمسلمين على «طرد الارهابيين» من مجتمعاتهم. والثاني هو الحديث عن عملية السلام في حلّتها الجديدة، التي تقضي بتوقيع سلام خليجي مع إسرائيل أولاً، ثم الاستناد الى العلاقات الناجمة عنه بين العرب والاسرائيليين للتوصل إلى سلام فلسطيني - إسرائيلي، وهذا ترتيب على عكس المبادرة العربية للسلام، التي تم التوصل إليها في قمة بيروت العام ٢٠٠٢، والتي تقضي بسلام اسرائيلي مع الفلسطينيين أولاً، يليه سلام مع باقي الدول العربية، وخصوصاً الخليجية.

العنوان الثاني الذي تصدر النقاشات حول رحلة ترامب الخارجية، بعد عودته، هو تصريح ميركل عن نية ألمانيا البدء ببرنامج عسكري للتعويض عن نهاية «المظلة الأميركية». ولطالما دأب ترامب على مطالبة الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي تقديم مساهمة مالية أكبر والايفاء بما ينص عليه إعلان التحالف، لناحية أن على كل من الدول الاعضاء المساهمة عسكرياً بما يوزاي 2 في المئة من ناتجها المحلي السنوي.

وأثناء زيارتها البيت الابيض في مارس الماضي، تلقت ميركل من ترامب فاتورة بقيمة تريليون ونصف دولار تكلفة الأتعاب العسكرية الأميركية للدفاع عن ألمانيا، وطالبها الرئيس الأميركي بـ «الايفاء بالمبالغ المتوجبة على برلين».

ويبدو أن لا ترامب ولا فريقه يعرفان ان نسبة 2 في المئة المنصوص عليها في النص التأسيسي للتحالف هي ليست مساهمة مالية في صندوق التحالف، بل تمثل الانفاق العسكري المتوجب على كل حكومة تجاه قواتها الوطنية المسلحة.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ابتعدت ألمانيا عن التسليح بهدف الابتعاد عن تاريخها الدموي الماضي، ودخلت تحت «المظلة الدفاعية الأميركية»، خصوصاً «المظلة النووية»، وهو ما يعني أنه في حال تعرض أي من دول تحالف الأطلسي لاعتداء، تعلن الدول الباقية، خصوصاً أميركا، دخولها في حالة حرب ضد المعتدين.

لكن مع «تهريجات» ترامب، يبدو أن برلين صارت تشعر بأنها وأوروبا عموماً صارت خارج «المظلة الدفاعية الاميركية»، وهو ما سيحتم على ألمانيا البدء ببرنامج تسليح للتعويض عن الأفول الأميركي. وفي حال التزمت ألمانيا تخصيص نسبة 2 في المئة من ناتجها المحلي السنوي لموازنتها الدفاعية، هذا يعني انها ستنفق نحو 75 مليار دولار سنوياً، وهو ما يضعها في المراتب الاولى للانفاق العسكري العالمي، الذي تتصدره الولايات المتحدة بإنفاق يقارب نصف تريليون دولار سنوياً.

على ان دخول ألمانيا عالم العسكر يعني عودة الصناعات العسكرية الألمانية، وهو ما يعني دخولها في منافسة شديدة مع الصناعات العسكرية الاميركية، الأولى في العالم، ونظيرتها الروسية والهندية، التي تليها في التصنيع والمبيعات. ودخول ألمانيا عالم العسكر قد يكلف الصناعات العسكرية الأميركية السوق الاوروبية الضخمة.

الاهتزاز الذي تسبب به ترامب في علاقة أميركا التاريخية مع أقرب حلفائها، أي أوروبا، دفع أركان الصناعات العسكرية الاميركية إلى تشغيل ماكينات اللوبي الضخمة، الخاضعة لإمرتهم، بهدف إجبار ترامب على التراجع عن موقفه من الأوروبيين، وإرغامه على تقديم مواقف أكثر التزاماً بالأمن الاوروبي من مواقفه التي قدمها في بروكسيل أمام حلفائه الاوروبيين.

ومع بدء الحملة المضادة لسياسات ترامب الدفاعية، حذر بعض الخبراء من خطورة الضرر الذي سيلحقة ترامب بموقع أميركا العسكري العالمي، خصوصاً مع حلفائها.

وفي هذا السياق، تساءل أحد المشككين في «نجاح» رحلة ترامب الخارجية الأولى: «كيف يمكن للخليج ان يأمن أن ترامب سيهب للدفاع عنه في حال تطلب الأمر؟ وهل يدافع عن الخليج من تخلى عن أوروبا؟»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق