الجمعة، 2 يونيو 2017

التهويل على قطر

حسين عبدالحسين

للوهلة الأولى، تبدو واشنطن وكأنها انقلبت على قطر، ومصممة على انهاء التحالف معها، بالتزامن مع فرض عقوبات على الدوحة. لكن التدقيق في الأمر يشي بأن ما يجري في واشنطن هو حملة تهويل تقودها مجموعة واحدة، تتوزع على مركز ابحاث ونصف، من اصدقاء اسرائيل، بتشجيع من بعض الديبلوماسيين المقيمين في العاصمة الاميركية. 

المركز المذكور هو “جمعية الدفاع عن الديموقراطيات”، الذي انبرى ثلاثة من اعضائه الى تدبيح مقالات ضد الدوحة، قبل ان يستضيف المركز نفسه حلقة حوار تحدث فيها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الجمهوري اد رويس، ووزير الدفاع السابق روبرت غايتس، والديبلوماسي السابق ومهندس الاتفاقية النووية مع الايرانيين الديموقراطي جايك سوليفان.

ولتوخي الدقة، لا بد من التذكير ان حملة مركز الابحاث هذا ضد قطر بدأت حتى قبل زيارة الرئيس دونالد ترامب الى السعودية، مع نشر الباحث جوناثان شانزر مقالة في “نيوزويك” هاجم فيها الدوحة لاستضافة قياديين في حركة حماس، فضلا عن خمسة قياديين من الطالبان، مع ان قادة الطالبان استضافتهم قطر بطلب من واشنطن، لاتمام صفقة تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وحركة الطالبان، وهي صفقة أدت الى الافراج عن الجندي الاميركي بوي بيرغدال. 

وبعد زيارة ترامب السعودية، وقبل اندلاع الأزمة، الاعلامية في معظمها، بين قطر، من ناحية، والسعودية والامارات من ناحية ثانية، نشر جون هانا، مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس السابق ديك تشيني، والذي يعمل باحثا في “جمعية الدفاع عن الديموقراطيات”، مقالة في “فورين بوليسي” دعا فيها قطر الى الاختيار بين ان تكون حليفة للولايات المتحدة، او مساندة لما اسماها المجموعات الارهابية، يعني في الغالب حماس وتنظيم “الاخوان المسلمين”. 

بعد الأزمة القطرية مع السعودية والامارات، استضاف مركز ابحاث “جمعية الدفاع عن الديموقراطيات” جلسة حوارية، وعد فيها عضو الكونغرس رويس بالبدء بنص مشروع قانون للعقوبات على قطر ما لم تتخل الدوحة عن استضافة قياديين في حماس و”الاخوان”، وما لم تمتنع حكومة قطر عن تمويل مجموعات اسلامية متطرفة حول العالم. ووعد رويس بالطلب الى القيادة العسكرية اغلاق قاعدة العديد في قطر، وهو ما قال عنه غايتس انه امر ممكن.

ومن نافل القول ان الهجوم على قطر لا يرتبط بزيارة الرئيس ترامب الى السعودية واسرائيل، ولا بالأزمة الخليجية، فجلسة حوارية على طراز التي تحدث فيها رويس وغايتس وسوليفان تتطلب اعدادا مسبقا قبل شهر او اكثر، وهو ما يشي ان الأزمة في الخليج هي امتداد للحملة على قطر في واشنطن، لا انعكاس لها. اما اسباب الحملة على قطر، فمتنوعة. في الخليج، مطالبة لقطر بادانة ايران وحظر الاخوان واعادة قادتهم الى دولهم. 

لكن حظر الاخوان — حتى قبل ادراجهم على اللائحة الاميركية للتنظيمات الارهابية، ناهيك عن لائحتي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية — هو موضوع معقد، وهو ادى لأزمة خليجية مشابهة في الماضي، وانتهت الأزمة من دون ان يغير اي من الافرقاء موقفهم من الموضوع. 

 الاسباب التي قد تفسّر اكثر الحملة على قطر في واشنطن، قد يكون مردها الى عدم التزام قطر بالاجماع الخليجي المفترض، لا تجاه ايران، بل تجاه اسرائيل، فما نشرته صحيفة “وال ستريت جورنال” عن التطبيع الخليجي الاسرائيلي المحتمل، قبيل زيارة ترامب الى الرياض، جاء من مصادر ديبلوماسية تحدثت باسم الخليج، وهو موقف يرجّح ان قطر ترفضه، وهو ما يبرر حملة اصدقاء اسرائيل في واشنطن ضد الدوحة لحملها على التراجع والتزام خطة “من الخارج الى الداخل”، اي سلام خليجي اسرائيلي يسبق السلام الفلسطيني مع الاسرائيليين، على عكس الاطار التقليدي لمفاوضات السلام والمكرّس في مبادرة الجامعة العربية ٢٠٠٢ في بيروت. 

ومن لا يعرف، فان المسؤول الابرز عن موضوع السلام الخليجي مع الاسرائيليين هو اليهودي الارثوذوكسي الاميركي جايسون غرينبلات، صديق صهر ترامب جارد كوشنر. وكان غرينبلات في عداد الوفد الاميركي في الرياض، وقضى مساء الجمعة الى مساء السبت في غرفة فندقه التزاما بالسبت اليهودي، لينشط يوم الأحد في كل اللقاءات الثنائية التي عقدها ترامب. 

في هذه الاثناء، قاربت واشنطن اقرار قانون “مكافحة نشاطات ايران المزعزعة”، المتوقع ان يعلن “الحرس الثوري” الايراني تنظيما ارهابيا، وهو قانون يعقد الأمور، في ظل تمديد ترامب اعفاءات أوباما على ايران، التزاما بالاتفاقية النووية. ويقول اصدقاء اسرائيل ان العقوبات على ايران في مجال الارهاب هدفها دفع ايران الى كسر الاتفاقية النووية، وهو ما يعيد العقوبات تلقائيا. لكن اميركا لن تكسر الاتفاقية لأن ذلك لا يعيد العقوبات الدولية، فان لم ينجح القانون الاميركي الجديد في استفزاز الايرانيين، يكون بلا فائدة. اما الحديث عن عقوبات في الكونغرس على قطر، فحديث يقتصر على حفنة من شخصيات واشنطن، ولا تلوح بوادر للاعتقاد ان وراءه الكثير من الجدية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق