الاثنين، 8 مايو 2017

مناطق سورية آمنة لمن؟

حسين عبدالحسين

لا يضاهي الاضطراب في معنى إعلان أربع مناطق آمنة في سوريا إلا الإعلان الروسي أن المجال الجوي فوق هذه المناطق سيكون مقفلاً على مقاتلات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، في الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية".

وحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإيحاء وكأنه حاز على تأييد وموافقة واشنطن على إثر محادثته الهاتفية مع نظيره الأميركي دونالد ترامب. لكن أقصى ما تمخضت عنه المحادثة الهاتفية موافقة ترامب على إرسال مراقبين أميركيين للمشاركة في المؤتمرات الدولية المخصصة لسورية، في أستانة وغيرها. ويقيناً، فإن بوتين لم يأت على ذكر إغلاق المجال الجوي السوري أمام المقاتلات الأميركية، وهو لو أبلغ ترامب ذلك، لثارت ثائرة الأخير حتى لو أنه بالكاد يفقه معنى إقفال المجال الجوي.

والمفارقة تكمن في مطالبة روسيا للمعارضة السورية، الطرف الوحيد في الصراع السوري الذي لا يملك قوة جوية، بالتوقيع على الاتفاقية، التي لم يوقعها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والذي يملك بدوره قوة جوية عملت على الفتك بالسوريين على مدى الاعوام الستة الاخيرة.

لكن روسيا أرادت توقيعاً ما لتظهر انتصارها، وعندما رفض المعارضون التوقيع، أراد الروس تقديم استعراض قوة، فقالوا إن الاتفاقية تحظر تحليق مقاتلات أميركا وحلفائها فوق المناطق الأربع التي تم تحديدها في أستانة، وكأن المقاتلات الأميركية كانت تزدحم أصلاً فوق سماء اللاذقية أو إدلب أو درعا.

أما المقاتلات التي تحلق غالباً في سماء دمشق والقنيطرة، والتي غالباً ما تشن غارات ضخمة على أهداف تعود للمليشيات الموالية لإيران والمتحالفة مع الأسد، فهي المقاتلات الإسرائيلية، وهذه الاخيرة لم يجرؤ المسؤولون الروس على ذكرها، ربما لعلمهم أن في قادم الأيام، في خضم الحرب السورية، أو في زمن السلم الذي كان يفرضه يوماً آل الأسد، ستغير إسرائيل على ما يحلو لها من أهداف، من دون الالتفات للقانون الدولي، ولا إلى السيادة السورية، ولا إلى اتفاقيات أستانة وغيرها، ولتواصل موسكو إدانة الغارات الاسرائيلية، التي تخترق المجال الجوي، الذي تعلن روسيا بين الفينة والاخرى أنها اقفلته، فتخترقه يوماً صواريخ "توما هوك" الأميركية، ويوماً آخر مقاتلات "اف-١٦" الاسرائيلية.

وهذه الحال، إذا كان المجال الجوي السوري مازال مفتوحاً، بعد إقامة روسيا مناطقها الآمنة الأربع، للمقاتلات الإسرائيلية، وللصواريخ الأميركية، ولمقاتلات الأسد، التي لم تحترم أياً من اتفاقيات وقف إطلاق النار التي رعاها الروس في الماضي، وطالما أن موسكو حافظت لنفسها على استثناءات لاستهداف "الإرهابيين" بمقاتلاتها، هذا يعني أن اتفاقية أستانة لم تكن أكثر من مسرحية ديبلوماسية، وأن مصير الاتفاقية التي تمخضت عنها سيكون على الأرجح كمصير سابقاتها من اتفاقيات الهدنة في سوريا.

لن يستتب الأمن في المناطق الأربع المزعومة، ونصفها تحت سيطرة النظام أصلاً، لعودة المهجرين السوريين، كما زعم المسؤولون الروس، ولن تغيّر الهدنة كثيراً في الوقائع على الأرض، ولا في الاصطفافات الديبلوماسية، بل إن أفضل ما قدمته مفاوضات أستانة حول سوريا، والاتفاقية الناجمة عنها التي لم يوقعها أي طرف سوري، هي المزيد من الاستعراضات الديبلوماسية التي تبقي موسكو في دائرة الضوء، وتبقي بوتين سعيداً أنه يتربع على رأس امبراطورية تتصدر أخبار العالم.

أما الطرف الدولي الأقوى والقادر على تغيير الموازين العسكرية والديبلوماسية في سوريا، أي الولايات المتحدة، فما زالت تغرق في انعدام توازن لا يبدو أنها ستخرج منه في المستقبل المنظور، وهو انعدام توازن لا يهدد العالم فحسب، بل يهدد أميركا نفسها، التي تمضي من دون موظفين في إداراتها، والتي تحوّل فيها أقوى رجل في العالم إلى بائع شنطة يحب الثرثرة وبث التغريدات المثيرة للجدل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق