الخميس، 27 يوليو 2017

ما هي سياسة لبنان الخارجية؟

حسين عبدالحسين

يروي اصدقاء يعملون في الكونغرس، انه في احدى الجلسات التي تطرق فيها الاعضاء الى موضوع الدعم المالي الاميركي للجيش اللبناني، حاول مشرعون من “اصدقاء لبنان” الاشارة الى اهمية دعم هذا الجيش لأنه يعزز استقلالية دولة لبنان في وجه اي ميليشيات قد تحاول تقويض سيادتها، فرد عليه زميل من المشرعين بالقول: “اذا كانت السعودية سحبت هبتها المالية للجيش اللبناني لأنها تعتقد ان هذا الجيش بأيدي ايران، فلماذا نستمر نحن بدعمه؟” 

الدعم المالي الاميركي للجيش اللبناني شحيح اصلا، ويأتي على شكل معدات عسكرية قديمة، بسبب خوف واشنطن من امكانية استيلاء “حزب الله” على اي معدات عسكرية حديثة قد تزودها اميركا لبيروت. مع ذلك، خصص رئيس الحكومة سعد الحريري حيزاً لا بأس به من زيارته لاقناع المسؤولين في واشنطن بالابقاء على الدعم الاميركي شبه الرمزي لجيش لبنان. 

الجزء الآخر من زيارة الحريري واشنطن تم تخصيصه لاقناع واشنطن بابعاد الكأس المرة عن القطاع المصرفي اللبناني وتجنيبه اي عقوبات مقررة على “حزب الله”. وفي هذا السياق، شارك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الوفد اللبناني في واشنطن. لكن هذا التخوف اللبناني ليس مبرراً، فالولايات المتحدة يندر ان فرضت عقوبات شاملة، بل هي دائما حريصة على استهداف اشخاص او كيانات مرتبطة مباشرة بحكومة ايران. 

ويسود الاعتقاد في واشنطن ان طهران اعتمدت بشكل رئيسي للافلات من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، لا على بيروت ومصارفها، بل على بغداد، التي ما يزال مصرفها المركزي يبيع النقد الاميركي في مزادات يشارك فيها مصرفيون ايرانيون وسوريون، الى حد دفع واشنطن لتهديد بغداد بالتوقف عن تزويدها بالنقد الاميركي، وهو ما يهدد استقرار الدينار، خصوصا بعد تراجع الاحتياطي الاجنبي في العراق من قرابة 80 مليار دولار الى حوالي 30 مليارا فقط.

مع رمزية موضوع دعم اميركا لجيش لبنان، ومع هامشية دور مصارف لبنان في مساعدة ايران و”حزب الله” على التملص من العقوبات الدولية والاميركية، لا يبقى في جعبة الحريري في زيارته الى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الكثير، وهو ما حدا بالبعض الى التندر ان ترامب لا يعرف ما هو “حزب الله”، وانه قال عن طريق الخطأ ان حكومة لبنان في الخط الاول في مكافحة “حزب الله”.

لم يخطئ ترامب، بل قال ما قاله عن قصد، فزيارة الحريري مصممة لهذه الغاية، على الرغم من التناقض الرهيب بين تصريح ترامب وواقع ان الحريري هو رئيس حكومة “الشعب والجيش والمقاومة”، التي يشارك فيها “حزب الله” وحلفاؤه. 

وان كان ترامب إستفاد من تظاهره انه والحريري يحاربان “ارهاب حزب الله”، فان الحريري لم يجن غير الصورة مع فريقه في غرفة “روزفلت” التي تعقد فيها الحكومة الاميركية اجتماعاتها. لكن حتى هذه الصورة، التي جمعت الحريري وفريقه بترامب وصهره جارد كوشنر، لا تبدو مقنعة، فترامب مهتز، وكوشنر امام تحقيقات، وامضى الرئيس الاميركي جزءاً كبيرا من مؤتمره الصحافي مع الحريري يصفي حسابات داخلية مع وزرائه واركان الدولة الآخرين.

بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، أطل امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله مرارا ليقدم رؤيته للبنان ما بعد الحريري، وتوجه الى “14 آذار” بالقول، انتم خذوا الانماء والاعمار ونحن نتولى المقاومة، اي السياسة الخارجية والشؤون الامنية. لم يتراجع الحريري وحلفاؤه الا بعد خراب البصرة، وفي التراجع الاول، اطاح الحزب بالحريري باستخدام الثلث المعطل، وكان ذلك في آخر زيارة للحريري الى واشنطن رئيسا للحكومة للقاء الرئيس السابق باراك أوباما.

هذه المرة، يبدو ان الكل يعرف دوره. يقول ترامب انه والحريري يحاربان “حزب الله” الارهابي. يتصرف الحريري وكأن الأمر لا يعنيه، وكذلك يفعل “حزب الله” الذي لا يكترث لترامب او لصغائر الأمور. سياسة لبنان الخارجية هي مقاومة الاستكبار العالمي. اما زيارة الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل الى واشنطن، فهي لا تمت الى سياسة لبنان الخارجية بصلة، بل هي في صميم سياسات لبنان الداخلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق