السبت، 12 أغسطس 2017

قطر 2017

حسين عبدالحسين

يروي الأصدقاء الكويتيون أن بلادهم كانت في طليعة مؤيدي القضايا العربية، وأنها استضافت يوماً اللاجئ ياسر عرفات، الذي أسس حركة التحرير الفلسطينية "فتح" في الكويت. تلك الحماسة الكويتية أصابها الفتور بعد الغزو العراقي، ووقوف عرفات إلى جانب الغازي العراقي صدام حسين عندما كان يستعرض جيوشه. تجربة الغزو العراقي وعملية التحرير التي تلتها غيّرت الكويت، وحوّلت سياستها الخارجية الى حياد يكاد يجعلها متطابقة مع سياسة سويسرا المحايدة دولياً.

اليوم، يحاول بعض الزملاء المخضرمين العرب تحميل الكويت منّة وقوف دول عربية الى جانبها في التحرير. صحيح أن بعض الدول العربية وقفت الى جانب الكويتيين في محنتهم، ولكن الخوف من جيوش صدام، التي اجتاحت الخفجي السعودية، وصواريخه التي اصابت الرياض، وتصرفات الرئيس العراقي الراحل الرعناء عموماً، أقلقت دولاً عربية كثيرة، وجعلت من تحرير الكويت من جيوش صدام ضرورة اقليمية وعربية.

وكما علّم غزو صدام والتحرير الكويت الكثير، لا شك أن المقاطعة التي أعلنتها السعودية والامارات والبحرين ومصر دفعت قطر إلى مراجعة حساباتها، وهي ليست مراجعة كالتي يريدها مقاطعوها، بل هي مراجعة قلّصت ثقة الدوحة ببعض العواصم الشقيقة، ودفعتها إلى اجراء تغييرات واسعة في سياساتها، خصوصاً الاقتصادية، وهو ما أعلنه أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطابه المتلفز إلى القطريين قبل أسابيع.

في الدول العربية مجموعة من الخطط الحكومية والرؤى التي تتراوح بين "رؤية قائد وإرادة شعب"، وهو الشعار المصري حول توسيع قناة السويس، و"الإعلان التاريخي"، بحسب فضائية "سكاي نيوز عربية"، الذي أعلنته الامارات لبناء "مدينة متكاملة" على المريخ في عام 2117. لا يهم أن "رؤية قائد" مصر عبدالفتاح السيسي تعود الى منتصف القرن التاسع عشر وقيام المهندس الفرنسي فرديناند دي لسبس بتصميم وتنفيذ شق قناة السويس بين البحرين الاحمر والمتوسط. ولا يهم ان "مدينة على المريخ" هو مشروع ينتمي إلى القرن الثاني والعشرين، مع فرص شبه مستحيلة أن يكون أي منا في صفوف الاحياء ليحكم على مدى نجاحه أو فشله.

أما التغييرات التي باشرت بتطبيقها قطر، منذ اندلاع الأزمة الخليجية، فتكاد تكون الأهم في المنطقة العربية منذ عقود، وهي تغييرات فاجأت الاوساط المتابعة في واشنطن، فالسماح لغير القطريين بالاقامة والتملك من دون وصاية مواطنين قطريين هي من التغييرات الجذرية التي ستؤثر في انماط الاقتصاد القطري، وتسمح له بالانتقال من اقتصاد مبني على عائدات الطاقة الى آخر مبني على قطاع الخدمات.

والانتقال من الطاقة الى الخدمات هي السياسة التي اشتهرت بها دبي، وحازت بها على اعجاب العالم. لكن الثغرات في "اقتصاد الخدمات" في الامارة عرقلت الانتقال، وهي ثغرات تصدرها عدم استقرار الوافدين، وامكانية ترحيلهم بطرفة عين، وهو ما يمنع تحول دبي إلى مركز أعمال إقليمي، وهو الدور الذي يبدو أن الدوحة تسعى إليه عبر سلسلة التعديلات التي تعلنها تباعاً.

وامام التغييرات القطرية، لم يكن أمام بعض الفضائيات العربية إلا القيام بمحاولات غير موفقة للتبخيس بالجهود القطرية، فأشارت إلى أنه من بين الدول الثمانين التي أعلنت الدوحة أنه صار يمكن لمواطنيها دخول البلاد من دون تأشيرة، 27 أوروبية فضلاً عن أميركا وكندا، وأن هذه الدول كانت معفاة أصلاً من تأشيرات الدخول إلى قطر. وأضافت الفضائية أن الدول المتبقية، مثل الفاتيكان، صغيرة جداً ولا يمكنها تصدير أعداد من السوّاح لتفيد قطاع السياحة في قطر.

لا يهم ما تقوله الفضائيات. التغييرات القطرية واسعة وجذرية وتنذر بتحولات كبيرة في الاقتصاد القطري، فإيران وقعت الاسبوع الماضي عقداً قارب 800 مليون دولار مع شركة "رينو" للسيارات، وهو عقد يلي توقيع طهران مع "توتال" الفرنسية و"شل" الهولندية عقوداً بقيمة 5 و3 مليارات دولار تباعاً، فضلا عن 23 مليار دولار مع "بوينغ" الاميركية. وإلى سوق إيران، التي يسكنها 80 مليون نفر، وسوق تركيا و80 مليون آخرين، يمكن للدوحة أن تتحول الى عاصمة المستثمرين في كبرى دول الإقليم، وهو ما يمنح قطر عائدات يمكنها تقليص اعتمادها على قطاع الطاقة.

"رب ضارة نافعة". هكذا يقول المثل. صحيح أن قطر مازالت منفتحة للوساطة ورأب الصدع مع مقاطعيها، إلا أن المقاطعة عجّلت بالتغييرات، التي يبدو أن الدوحة كانت تعمل على القيام بها، وهي تغييرات كلما اقتربت من التمام، كلما منحت قطر حصانة أكبر من التقلبات السياسية في الاقليم.

على عكس الاسماء البراقة للخطط والرؤى الاقليمية، لا تحمل سياسات قطر الجديدة اسماً. ربما يمكن اطلاق اسم "قطر 2017" على سلسلة التغييرات الجذرية التي تقوم بها الدوحة، حتى لو بدا أن القطريين يهتمون بالأفعال أكثر بكثير من الدعاية والإعلان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق