الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

ترامب «ينتظم» في سياسات الـ «استابلشمنت» من بوابة أفغانستان

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وعده الانتخابي القاضي بالانسحاب من أفغانستان، وتبنى رأي جنرالاته وأركان إدارته بعد أسبوع من المحادثات، توجتها خلوة في منتجع كامب ديفيد الرئاسي.

وقال ترامب، في خطاب أعلن فيه استراتيجيته واستمر نحو 20 دقيقة (فجر أمس بتوقيت الكويت)، إنه تخلى عن غريزته الأولية التي كانت تدفعه للانسحاب الفوري، وذلك بعدما جلس في المكتب البيضاوي واستمع إلى المتخصصين.

وأكد أن انسحاباً متسرعاً من أفغانستان سيوجد فراغاً يستفيد منه الإرهابيون من عناصر «القاعدة» وتنظيم «داعش».

وقدم ترامب ما أسماها «خُطتِّي لتحقيق النصر» في أفغانستان، وهي خطة تكاد تتطابق مع خطط سلفه باراك أوباما، مع فارق وحيد يكمن في إخفاء عديد القوات عن أعين الأميركيين، وترك موضوع تحديد عديد العسكر والموارد المطلوبة للجنرالات، حسب متطلبات المعارك على الأرض في أفغانستان.

وحاول ترامب الظهور بمظهر الحريص على عدم التورط أكثر في المستنقع الأفغاني بقوله إن الولايات المتحدة لن تعود إلى سياسة بناء الدول حول العالم، وهي سياسة كان تخلى عنها أصلاً واضعها الرئيس الاسبق جورج بوش، وكرّس هذا التخلي خلفه باراك أوباما.

إلا أن ترامب تبنّى ما سبق أن تعهد التخلي عنه، فهو قال ان بلاده ستلجأ إلى خطة تعتمد فيها على مزيج من عناصر قوتها، العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية والسياسية. والتلويح بالقوة الديبلوماسية هو بمثابة تراجع من رئيس كان يسعى إلى تقويض وزارة الخارجية بأكملها، والقضاء على برامجها المخصصة لدعم الدول في تحسين أدائها الحكومي.

كذلك، تراجع ترامب عن سياسته المبنية على إظهار دموية مطلقة تجاه الإرهابيين، إذ قال إنه مستعد للحوار مع بعض العناصر في حركة «طالبان» في أفغانستان ممن يمكن الانخراط في حوار معهم وإدخالهم في العملية السياسية. وتراجع ترامب في هذا السياق، وموافقته على الانخراط مع بعض العناصر في تنظيم تصنفه واشنطن إرهابياً مثل «طالبان»، هي سياسة تشبه سياسة سلفه أوباما، وتعني أن ترامب سجّل سابقة، وأنه من غير المستبعد ان تحافظ واشنطن على قنوات اتصالها الحالية القائمة مع بعض التنظيمات التي تصنفها إرهابية حول العالم.

ختاماً، لوّح ترامب بأن ديبلوماسية بلاده ستتضمن الانخراط في حوار مع الدول المجاورة لأفغانستان، خصوصاً باكستان، من أجل إشراكها في الحلول الأفغانية، وهذه سياسة تعني، في الوقت نفسه، أن إدارة ترامب ستجد نفسها في حوار مع جيران أفغانستان الآخرين، وفي طليعتهم إيران، التي أعلن ترامب، وكرر، أنها عدو واشنطن الاوحد، التي سيسعى الى مواجهتها، وتمزيق الاتفاقية النووية معها، وإعادة العقوبات التي كانت مفروضة عليها.

ومن يعرف شؤون واشنطن يعلم أنه لطالما لعبت أفغانستان دور المدخل إلى الحوارات الأميركية - الإيرانية، منذ افتتح السفير السابق ريان كروكر قناة سرية مع الايرانيين في جنيف للتنسيق حول الحرب الاميركية في أفغانستان، وهو حوار توسّع في وقت لاحق ليشمل التعاون بين البلدين في العراق، وإلى حد ما في لبنان.

هكذا، إذا ما التزم ترامب الخطاب الرئاسي الذي أدلى به، ويحمل في طياته سياسات «المؤسسة الحاكمة» (استابلشمنت) في واشنطن، مع فوارق ضئيلة في الشكل، هذا يعني أن الرئيس الاميركي تراجع عن أجزاء أساسية في وعوده وسياساته، وتبنى السياسات التقليدية، وهو انقلاب في موقف وسياسة ترامب يبدو أنه لن يتراجع عنه لأنه السبيل الوحيد لإنقاذه من ورطة أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة منذ قيامها قبل ربع ألفية، مع اقتراب حرب أفغانستان من عامها السابع عشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق