الخميس، 28 سبتمبر 2017

لا حرية بلا تمثال العذراء في البصرة

حسين عبدالحسين

أزالت السلطات المحلية في مدينة البصرة الجنوبية في العراق تمثالا للسيدة العذراء، كان عمل على صناعته نحّات مسلم، برعاية عراقي من المسيحيين الأرمن، كان قد استحصل بدوره على كل الموافقات الحكومية المطلوبة لنصب التمثال في ساحة عامة. وعللت السلطات العراقية إزالة التمثال بالإشارة إلى طلب الإزالة من مطرانية البصرة، التي بررّت بدورها طلبها بالقول إنها تخشى قيام أحدهم بالاعتداء على التمثال، فيشعل ذلك فتنة بين مسيحيي البصرة ومسلميها.

كاتب هذه السطور من المؤمنين بوجوب خلو الساحات العامة من التماثيل واللوحات والكتابات الدينية. حتى العلم العراقي، من غير المقبول أن يحمل عبارة "الله أكبر". فمن العراقيين من لا يؤمنون بهذه العبارة، ولا يجوز ربط عراقيتهم بمعتقدات دينية لا يؤمنون بها. حتى بين المسلمين أنفسهم، هناك تضارب يحتم إبقاء الدولة والحيّز العام خارجه. مثلا، هل تحتفل الدولة في رأس السنة الهجرية، على غرار ما يفعل المسلمون السنة؟ أم تعلن الحداد لبدء أول يوم من أيام عاشوراء، حسب تقاليد المسلمين الشيعة؟

لكن العراق لا يتبنى العلمنة في الأماكن العامة. في البصرة نفسها تمثالان للمسلمين الشيعة، الأول يمثّل "يدي العبّاس" والثاني "فرس الحسين"، وهو ما يقودنا إلى السؤال: لماذا لا يخشى الشيعة على تماثيلهم من الفتنة، فيما على المسيحيين وحدهم الاختباء في الأماكن المغلقة والخوف من التعبير عن معتقداتهم؟

أما الإجابة، فهي في الغالب قبلية مرتبطة بالأعداد السكانية، وبموازين القوة، وبتقاعس دولة العراق عن ضمان العدالة وحرية المعتقد لجميع المواطنين، بغض النظر عن المذهب أو الدين. والأغلب أن شيعة البصرة أنفسهم لا يستسيغون نصب تمثال يعتبرونه من رموز مجموعة دينية تعود لغيرهم، على الرغم من أن السيدة وعذريتها مذكورة في القرآن، حيث خصّها كتاب المسلمين بسورة تحمل اسمها.

يوم أعلن الرئيس السابق جورج بوش الحرب في العراق، أطلق عليها اسم "عملية حرية العراق". لم تطلق واشنطن تسمية "العثور على أسلحة الدمار الشامل"، على الرغم من أن انتزاع الأسلحة كان أحد الأسباب المعلنة للحرب. على أنه منذ اندلاع هذه الحرب، أي منذ العام 2003، وأعداد غير المسلمين العراقيين في تناقص متسارع.

حتى قبل أن يستولي إرهابيو داعش على الموصل ويخضعون الأقليات، الأيزيدية والمسيحية والتركمانية وغيرها، إلى معاملة دموية واستعباد، كانت مناطق العراق الخالية من داعش، مثل بغداد والبصرة، تفرغ من غير المسلمين.

قبل أسابيع، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية نيتها إعادة أرشيف يهود العراق إلى بغداد، بعدما كانت القوات الأميركية عثرت عليه في أقبية الاستخبارات العراقية في العام 2003، ونقلته إلى الولايات المتحدة، حيث تم العمل على صيانته ونسخه إلكترونيا.

ويعارض عدد كبير من يهود العالم، خصوصا من أصحاب الماضي العراقي، إعادة الأرشيف إلى دولة لا يمكن لليهود العيش فيها، ولا ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم، ولا التمتع بحقوق مواطنية تساويهم مع العراقيين المسلمين. على الرغم من ذلك، أصرّت بغداد، ووافقت واشنطن، على إعادة الأرشيف الذي يتضمن نسخة من التوراة تعود إلى القرن السادس عشر، في خطوة تمزج السخرية بالسريالية.

للحرية أثمان، وحرية العراق، دفع ثمنها عراقيون وأميركيون بدمائهم، وأطاحوا بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، بعدما بطش الأخير بالعراقيين، من كل المذاهب والأديان. لكن أن يستبدل العراقيون حكم البعث بحكم الولي الفقيه لا يشبه الحرية الموعودة، وحكام العراق يعلمون، أكثر من غيرهم، معنى الاضطهاد والبطش السياسي أثناء هروبهم من حكم صدام.

ليت العراق وحكامه ومحكوميه يدركون ثمن الحرية، ومعناها، وقيمتها، وأهميتها، خصوصا لدى الأقل عددا والأضعف نفوذا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق